هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالتسجيلأحدث الصوردخول

 

 العدالة الانتقالية بالمغرب

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ناجم كوبان
محاور جديد
محاور جديد



عدد الرسائل : 4
العمر : 40
المدينة : زاكورة

الكلية : محمد الخامس أكدال الرباط
التخصص : العلوم القانونية
المستوى الدراسي : ماستر العلوم القانونية
المستوى الحواري :
العدالة الانتقالية بالمغرب Left_bar_bleue90 / 10090 / 100العدالة الانتقالية بالمغرب Right_bar_bleue

عدد النقاط : 5280
تاريخ التسجيل : 01/11/2009

العدالة الانتقالية بالمغرب Empty
مُساهمةموضوع: العدالة الانتقالية بالمغرب   العدالة الانتقالية بالمغرب Emptyالإثنين ديسمبر 07, 2009 9:23 pm

العدالة الانتقالية بالمغرب
من اعداد
الناجم كوبان
المقدمة
إن مجال العدالة الانتقالية أو مواصلة العدالة الشاملة أثناء فترات الانتقال السياسي تهتم بتنمية مجموعة واسعة من الاستراتيجيات المتنوعة لمواجهة ارث انتهاكات حقوق الإنسان في الماضي و تحليلها و تطبيقها عمليا بهدف خلق مستقبل أكثر عدالة و ديمقراطية . و في الجانب النظري و العملي تهدف العدالة الانتقالية إلى التعامل مع ارث الانتهاكات بطريقة واسعة و شاملة تتضمن العدالة الجنائية و عدالة إصلاح الضرر و العدالة الاجتماعية و العدالة الاقتصادية.
و رغم أن إرهاصات هدا المجال ترجع غالبا إلى مرحلة تقع بعيد الحرب العالمية 2 في أوربا –أي محاكمات نورمبورغ و القضاء على النازية-فان العدالة الانتقالية بدأت تظهر بشكل أكثر قوة ووضوحا مع إقامة محاكمات حقوق الإنسان في اليونان أواسط السبعينات و مع المتابعات ضد الحكم ضد الحكم العسكري في الأرجنتين عقدا بعد دالك و كدا جهود تقصي الحقائق في الجزء الجنوبي من أمريكا اللاتينية .
و إبان العقود الأخيرة ثم تطوير مجموعة متميزة من آليات العدالة الانتقالية و الاعتماد عليها من طرف الحكومات الديمقراطية الخارجة لتوها من فترات حرب او حكم استبدادي.
كما إن حقوق الإنسان تعتبر بامتياز مؤشرا حاسما في البرهنة على حصول تغيير فعلي في سياسة الدولة و ممارستها و دليل على قيام دولة الحق والقانون . وقد تفرعت عن حقوق الإنسان تبعا لدالك مجموعة من الاستراتيجيات و الخطط الهادفة لصيانة الفرد و ما قد يتعرض إليه من انتهاكات سواء على يد الدولة او في علاقته بالأفراد من خلال العلاقات السياسية و الاجتماعية التي قد ينسجها .
و من هده الاستراتيجيات نذكر العدالة الانتقالية و التي يتم اللجوء اليها مع حدوت تحول سياسي بعد فترة من العنف أو القمع في مجتمع من المجتمعات بحيث يجد المجتمع نفسه في كثير من الأحيان أمام تركة صعبة من انتهاكات حقوق الإنسان لدلك تحتمي عدد من الدول إستراتيجية العدالة الانتقالية
- فما هو مفهوم العدالة الانتقالية و ماهي مرجعيتها؟
- ماهي عناصر و مناهج العدالة الانتقالية ؟ و إلى أي حد تم تجسيدها على بعض التجارب الدولية ؟
- ما هي سبل تحقيق العدالة الانتقالية بالمغرب من خلال هيئة الإنصاف و المصالحة و ماهي المحددات التاريخية للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب ؟ و ماهي نتائجها ؟
للإجابة عن هده الأسئلة سوف نقسم هدا الموضوع الى مبحثين و دلك على الشكل التالي:
المبحث الأول : مفهوم العدالة الانتقالية-أسسها-مرجعيتها
المبحث الثاني : العدالة الانتقالية بالمغرب :
المبحث الأول : مفهوم العدالة الانتقالية-أسسها-مرجعيتها
يمكن تقسيم هدا المبحث إلى مطلبين أساسيين ودلك على الشكل التالي :
المطلب الأول : مفهوم العدالة الانتقالية ومرجعيتها الدولية :
يقتضي منا تحديد مفهوم العدالة الانتقالية ومرجعيتها الدولية تقسيم هدا المطلب إلى فقرتين :
الفقرة الأولى : مفهوم العدالة الانتقالية :
أن مفهوم العدالة الانتقالية يعتبر من المفاهيم المتجردة والمتصلة بما يمكن أن نصطلح عليه بعلم الانتقال أو الانتقالوجيا الذي ينصب موضوعه على إشكالية الانتقال أو التحول في المجتمعات التي تعاني من التأخر التاريخي فصهر هدا المفهوم خلال السبعينيات نتيجة الانتقالات التي جرت في أوروبا الجنوبية والدي أفضى إلى ظهور علما جديد ا لم يكن معروفا في فرنسا لكنه شديد الحيوية في الولايات المتحدة الأمريكية وهو يحمل اسم علم الانتقالات أو علم الانتقاليات 1
وبدلك يشمل مفهوم العدالة الانتقالية كامل نطاق العمليات والآليات المرتبطة بالمحاولات التي يبدلها المجتمع لتفهم تركته من تجاوزات الماضي الواسعة النطاق بغية كفالة المساءلة وإقامة العدالة وتحقيق المصالحة .
فمجال العدالة الانتقالية أو مواصلة العدالة الشاملة أثناء فترات الانتقال السياسي يهتم بتنمية مجموعة واسعة من الاستراتيجيات المتنوعة لمواجهة ارث انتهاكات حقوق الإنسان في الماضي وتحليلها وتطبيقها عمليا بهدف خلق مستقبل أكثر عدالة وديمقراطية وفي الجانب النضري والعملي تهدف العدالة الانتقالية إلى التعامل مع ارث الانتهاكات بطريقة واسعة وشاملة تتضمن العدالة الجنائية وعدالة إصلاح الضرر والعدالة الاجتماعية والعدالة الاقتصادية وهي إضافة إلى دلك مبنية على اعتقاد مفاده أن سياسة قضائية مسئولة يجب أن تتضمن تدابير تتوخى هدفا مزدوجا وهو المحاسبة على جرائم الماضي والوقاية من الجرائم الجديدة مع الاخد في الحسبان للصفة الجماعية لبعض أشكال الانتهاكات 2
وبدلك تعد العدالة الانتقالية نتاجا للخطاب الدولي حول حقوق الإنسان وتشكل جزءا منه كما تقوم على معتقد مفاده أن المطالبة بالعدالة الجنائية ليست شيئا مطلقا لكن يجب ان تتم موازنتها بالحاجة إلى السلم والديمقراطية والتنمية العادلة وسيادة القانون ولان انظمة العدالة تم وضعها على أساس أن الجريمة تشكل استثناءا وليس قاعدة .
أما ادا صارت الجريمة قاعدة فلا يوجد أي نضام قوي بما فيه الكفاية لفرض النظام وبالتالي ففي معظم سياقات العدالة الانتقالية سوف تدعو الحاجة إلى أدوات أخرى للمحاسبة وينبغي أن تاخد بعين الاعتبار عندما تدمج المحاكمات مع آليات العدالة الانتقالية الأخرى فالرغبة في التعامل مع ارث الماضي تجد تبريرا في عدة نقاط أهمها :


1 الشيخ سيد المختار الكنتاوي.البعد الدولي للعدالة الانتقالية في المغرب.رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة. القانون العام.كلية الحقوق –الرباط.2006-2007 .ص 9
2مدخل الى العدالة الانتقالية-ورشة عربية حول العدالة الانتقالية-الرباط.2004 /مائدة مستديرة/ المجلس الاستشاري لحقوق ا لانسان .مركز الثوتيق.
- تقوية الديمقراطية وتفعيلها من خلال إرساء المحاسبة مثل مكافحة الإفلات من العقاب وبناء ثقافة ديمقراطية قائمة على المسؤولية .
- إن تذكر الضحايا يعتبر واجبا أخلاقيا حيث إن نسيانه هو شكل من أشكال إعادة الإحساس بالظلم والمهانة والتي سبق لهم أن عاشوها في الماضي
- انه لمن المستحيل تجاهل الماضي ونسيانه بسبب فظاعة الجرائم التي ارتكبت لدرجة إنها لاتقبل الصفح .
- منع دلك مستقبلا بما يخلق نوعا من الردع فالتذكر والمطالبة بالمحاسبة كفيلان بالوقاية من وقوع انتهاكات مجددة 1
- إن صفات البيئات الانتقالية هده تساعد على تفسير ثلاثة مميزات هامة في العدالة الانتقالية وتتميز كمجال منفصل بذاته بميزات ثلاث :
الميزة الأولى : هي التركيز على الشمولية في التعامل مع ارث الانتهاكات .
الميزة الثانية : وهي ذات الصلة بالعدالة الانتقالية لهي الأولوية التي يحض بها التوازن والإدماج فالعدالة الانتقالية لا تسعى إلى عدالة بأثر رجعي بأي ثمن أو تركز على المحا فضة على السلام على حساب حق الضحايا في العدالة ولكن تأكد عوض دلك على إرساء توازن بين الأهداف على اختلافها وتنافسها اعتمادا على القانون الدولي والامتيازات والاكراهات المحلية وصياغة سياسة عقلانية وعادلة
- الميزة الثالثة المميزة للعدالة الانتقالية فهي تركز على منهج مرتكز على الضحايا لتعامل مع ماض عنيف سواء من حيث مساره أو نتائجه ويمكن إلى درجة كبيرة قياس مشروعية آليات العدالة الانتقالية بمدى اعتراض الضحايا عليها أو دعمهم لها والى أي درجة يمكنهم المشاركة فيها والاستفادة منها 2
الفقرة التانية: المرجعية الدولية للعدالة الانتقالية
ان الانظمة السياسية تستمد شرعيتها من مدى احترامها للحقوق المتأصلة في البشر لمواطنيها فحقوق الإنسان الطبيعية هي ثابتة المضمون فالحق في الحياة والحرية والسلامة الجسدية و الكرامة الإنسانية تحمل نفس الدلالات و نفس المحتوى و من المفروض أن تتمتع الكائنات البشرية بحقوق الإنسان بشكل لايتاثر بنمط الحكم .
فالمكانة التي تشغلها حقوق الإنسان في النظام القانوني الدولي جعلت مجموعة من المعايير الدولية تشكل مرجعية للالتزامات الدولة في مجال حقوق الإنسان و بالتالي الدفع بها للعمل على ملائمة تشريعاتها الوطنية مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان حتى تتفاعل أكثر مع المكانة التي يستحقها الفرد داخل المجتمع الإنساني الذي يعيش فيه .
و بدلك تعتبر حقوق الإنسان بامتياز مؤشرا حاسما في البرهنة على حصول تغيير فعلي في سياسة الدولة وممارستها و دليلا على قيام دولة الحق و القانون3.
وهكذا فما ان حلت منضمة الأمم المتحدة محل عصبة الأمم حتى وطد الرجال الدين اتخذوا مبادرة تأسيس تلك المنضمة عزمهم على ترسيخ أركان التعاون الدولي ضمن ميثاق أصبح نافد المفعول في 24 أكتوبر 1945 و تعهدت الدول الموقعة عليه بصون السلام و الأمن للوصول إلى ظروف سياسية و اقتصادية و اجتماعية لصالح الشعوب و بدلك الفت هيئة الأمم المتحدة لجنة للعمل في سبيل الحقوق الإنسانية و إعداد لا ئحة الحقوق التي أعلن عنها رسميا من لدن الجمعية العامة يوم 10 دجنبر 1948 تحت اسم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان


1 الشيخ سيد المختار الكنتاوي.المرجع السابق.ص 11
2 مدخل الى العدالة الانتقالية. المرجع السابق.
3 مجموعة من المؤلفين.المواطنة و حقوق الانسان بالمغرب.اعمال الندوة الوطنية مراكش 20 مارس 2004 .الطبعة الاولى 2005 مطبعة الورقة الوطنية الحي المحمدي.الدوديات مراكش. ص 33

واد كان هدا الاخيريتضمن مجموعة من الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية و الثقافية وكانت هده الحقوق تتصف بنوع من العمومية فكان من الضروري ان تاخد الجمعية العامة للأمم المتحدة على عاتقها مهمة الشرح و التدقيق للمقتضيات التي تضمنها الإعلان وهدا ما أدى إلى صدور عدة معاهدات و اتفاقيات دولية تنصب كلها في مجال احترام حقوق الإنسان وعدم انتهاكها ارتبطت بها دساتير الدول الديمقراطية و بالمصادقة عليها من لدن السلطة السياسية لتلك الدول 1 و في هدا الصدد نشير الى جل الاتفاقيات و المعاهدات الدولية الداعية الى منع و تجريم انتهاك حقوق الإنسان و احترامها
-العهدين الدوليين المتعلقين بالحقوق السياسية و المدنية و الاقتصادية والثقافية و الاجتماعية .
- اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية و المعاقبة عليها.
- اتفاقية مناهضة التعذيب و غيرها من ضروب المعاملات و العقوبات القاسية او اللاانسانية او المهينة .
- الاتفاقية الدولية المتعلقة بمناهضة جميع أشكال التمييز العنصري.
- الاتفاقية الدولية المتعلقة بإلغاء العبودية و معاملة العبيد إضافة إلى الممارسات المثلية للعبودية.
- الاتفاقية رقم 105 المتعلقة بإلغاء العمل الشاق.
- الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
- اتفاقية حضر الاتجار بالأشخاص و استغلال دعارة الغير2 .
وتبعا لدالك تفرعت عن حقوق الإنسان مجموعة من الاستراتيجيات ذات المرجعية الدولية و الخطط الهادفة إلى صيانة حقوق المواطنين و ما قد يتعرضون له من الانتهاكات سواء على يد الدولة أو في علاقتهم بالأفراد من خلال العلاقات التي قد ينسجها مع الغير و من هته الاستراتيجيات نذكر العدالة الانتقالية و التي يتم اللجوء إليها مع حدوت تحول سياسي بعد فترة من العنف او القمع في مجتمع من المجتمعات بحيث يجد هدا المجتمع نفسه في كثير من الأحيان أمام تركة صعبة من انتهاكات لحقوق الإنسان .ولدلك تحتمي عدد من الدول بمضلة العدالة الانتقالية التي أصبحت ذات بعد دولي من خلال إنشاء مؤسسة تعنى بمساعدة البلدان الساعية الى محاسبة المسئولين عن الفظائع الجماعية او انتهاكات حقوق الإنسان و هده المؤسسة هي مايعرف بالمركز الدولي للعدالة الانتقالية حيث يقدم هدا المركز معلومات مقارنة وتحليلات قانونية وسياسية ويقوم بالتوثيق و إجراء البحوث الإستراتيجية للمؤسسات المعنية بالعدل و تقصي الحقائق و للمنضمات الغير الحكومية والحكومات وغيرها كم يساعد على وضع استراتيجيات العدالة الانتقالية التي تتألف من خمسة عناصر أساسية سيتم التطرق إليها بنوع من الاستفاضة في المطلب الثاني ويكرس المركز جهوده لبناء القدرات المحلية ودعم مجال العدالة الانتقالية الناشئ بوجه عام ويعمل على تحقيق هدا الغرض بالتعاون الوثيق مع المنضمات والخبراء في شتى أنحاء العالم .3
المطلب التاني : اسس العدالة الانتقالية ومدى بلورتها في بعض التجارب الدولية :


1-حسن احمد الحجوي. الفكر الديموقراطي و اشكالية الديموقراطية في المجتمعات المعاصرة.بدون طبعة ص 191.
2- يوسف سونة. المغرب و حقوف الانسان بين التشريع و التطبيق والممارسة. الطبعة الاولى 2002 مطبعة النجاح الجديدة. الدلر البيضاء ص 158-159.
3-مدخل الى العدالة الانتقالية. المرجع السابق. ص
الفقرة الاولى : اسس العدالة الانتقالية :
ترتكز العدالة الانتقالية على مقومات اساسية تتمحور حول:
1- محاكمة مرتكبي الإنتهاكات:
قوبلت إجراءات العفو والصفح من العقاب بالرفض على المستوى الدولي من جانب الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة ولجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والمحكمة الخاصة بيوغوسلافيا ولجنة مناهضة التعذيب.
هنا لابد من التأكيد بأن الإفلات من العقاب يعني حرمان الضحايا من العدالة، وخلق مناخ يمكن فيه للأفراد مواصلة إرتكاب الإنتهاكات بدون الخوف من الإعتقال أو المقاضاة أو العقاب، ومن خلال تقديم الجناة إلى العدالة تبعث الحكومة برسالة واضحة بأنه لم يتم التساهل إزاء الإنتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني، وأن الذين يرتكبون هذه الجرائم سيخضعون للمساءلة أمام محكمة قضائية.1 والمحكمات تساعد في إعادة الشعور بالثقة بين المواطنين حول سيادة القانون، ويمكن أن تخلق المحاكمات الناجحة لمنتهكي حقوق الإنسان في الماضي إحساسا بأن النظام" يعمل" وأن الأمر يستحق الإستمرار في بناء الديمقراطية. ويمكن أن تساهم المحاكمات في إرساء روادع خاصة وعامة والتعبير عن إدانة عامة الناس للسلوك الإجرامي وتوفير شكل مباشر في المحاسبة لمرتكبي تلك الأعمال والعدالة للضحايا، والمساهمة في زيادة ثقة الجماهير في قدرة الدولة ورغبتها في إنفاذ القانون. 2 عندما تتعامل إحدى المحاكمات مع انتهاكات جماعية قد يشعر الضحايا بأن معاناتهم معترف بها بشكل أفضل عندما تكون استراتيجيات المتابعة موجهة بشكل واضح إلى اولئك الأشخاص الذين يتحملون المسؤولية الكبرى لهذه الجرائم.
وفي سنة 1993 كانت خطوة غير مسبوقة تحققة بفضل نهاية الحرب الباردة، حيث أنشأ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة محكمة جنائية دولية بيوغوسلافيا، وهي أول محكمة دولية لجرائم الحرب منذ المحكمتين العسكريتين لنورمبورغ وطوكيو، وجاءت بعد محكمة يوغوسلافيا محكمة رواندا لمتابعة مرتكبي جريمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، وجرائم ضد الإنسانية.
2- البحث عن الحقيقية:
إختلفت الأهداف من وراء إنشاء هيئة الحقيقة من بلد إلى آخر، فالبعض يركز على المصالحة الوطنية والحاجة إلى طي صفحة الماضي والبعض الآخر إعتبرها خطوة نحو معالجة مرتكبي جرائم حقوق


1/ مجلة وجهة نظر ،العدد 9،صيف 2006.
2// المركز الدولي للعدالة الإنتقالية للمزبد من التوضيح انظر www.ictj.net
الإنسان في حين اعتبرها البعض الآخر وسيلة لكي تقطع الحكومة الجديدة مع ممارسات النظام السابق
وانطلاق عهد جديد يتميز باحترام حقوق الإنسان، وإصرار إغلب التجارب الدولية على الكشف عن الحقيقة يجد فلسفته في القيمة الحضارية والأخلاقية للحقيقة.1
يعتبر مطلب الكشف عن الحقيقة من التحديات الكبرى التي واجهتها جميع الدول التي خطت خطوات بارزة نحو الإنتقال الديمقراطي لأنها وجدت نفسها أمام كشف حقيقة الضحايا، أي القيام بجميع التحريات لمعرفة الحقيقة حول الخروقات التي مست الضحايا، ثم كشف حقيقة الجناة.ومن اجل ذلك الكشف عن الحقيقة من الأهداف الجوهرية لمبدأ عدم الإفلات من العقاب كما يقول هيغل "...وسوف يظل البحت عن الحقيقة يوقظ حماس الانسان ونشاطه ما بقي فيه من عرق ينبض وروح يشعر..."وهكذا مهما بذل من جهود للكشف عن الحقيقة فان ذلك يبقى نسبيا لأننا أمام جرائم ترتكب في جنح الظلام وجرائم ترتكب خارج المنظومة القانونية تتحكم فبها مجموعة من الأجهزة منها ما هو رسمي وغير رسمي.
3- جبر الضرر:
أعطت الأمم المتحدة اهتماما خاصا في مرحلة محددة لمحنة الناجين من معسكرات الإعتقال النازية، حيث ناشد المجلس فيه السلطات الألمانية المختصة بأن تنظر في إتاحة الجبر على أكمل وجه ممكن عن الأذى الذي أصاب الأشخاص الذين تعرضوا لانتهاكات جسيمة. تشير المدة الخامسة من الفقرة الخامسة من الإتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان على أن لكل فرد كان ضحية للتوقيف والإعتقال بما يتناقض وأحكام المادة ذاتها حقا نافذا في الحصول على التعويض.
وهكذا فألوان الإضطهاد التي مارستها الأنظمة الإستبدادية لا نظير لها في وحشيتها، ولا يمكن تجاهل وجود رابطة واضحة بين إفلات مرتكبي الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من العقاب وعدم تقديم جبر عادل للضحايا ولأسرهم ومن يعولونهم. أمام الإنتشار الواسع لانتهاكات حقوق الإنسان أصبح لزاما على الحكومات ليس فقط التصدي لمرتكبي هذه التجاوزات بل أيضا ضمان حقوق الضحايا، كذلك بوسع الحكومات تهييئ الظروف الملائمة لصيانة كرامة الضحايا وتحقيق العدل بواسطة التعويض على ما لحق بهم من الضرر والمعانات.1 ويتخذ جبر الأضرار أشكالا وتدابير منها التعويض، وإعادة التأهيل والإدماج، والاسترداد، ورد الاعتبار، وحفظ الذاكرة، وضمانات بعدم تكرار هذه الجرائم، ويتم جبر الأضرار في حالة وفاة الضحية أو عدم العثور عليه لفائدة ورثته أ ذوي حقوقه.
4- الإصلاح المؤسساتي:
وتشمل الإصلاحات الدستورية والقانونية وأجهزة الشرطة التي تهدف إلى تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون ذات أهمية واضحة للعديد من المجالات مثل ملكية الأراضي، حماية اللاجئين، ضرائب الدخل، الإنصاف في الأجور، تعيين القضاة، تولي المناصب واستغلال وسائل الإعلام.
إن الجهود المبذولة من حيث الكم والكيف لا يجب أن تكون أكبر من حجم القدرات المحلية وذلك من حيث
1/// الشيخ سيد المختار الكنتاوي، البعد الدولي للعدالة الإنتفالية، رسالة في القانون العام أكدال، 2006-2007ص140
البنية المؤسساتية والموارد البشرية والمالية، إذ أن الوقوع في مثل هذا الخطأ قد يجر عملية الإصلاح إلى الوراء عوض الدفع بها قدما.1
5-النصب التذكاري:
إحياء الذكرى هو حدث أو واقعة تعمل كآلة للتذكر، ويمكن أن يتم إحياء الذكرى بشكل رسمي مثل( إقامة النصب التذكارية)، أو بشكل غير رسمي مثل( بناء جدارية في موقع معين ) سواء كان ذالك بشكل رسمي من طرف الدولة أو تلقائيا من طرف المواطنين2 ويسعى الناس إلى إحياء ذكرى أحداث الماضي لأسباب عديدة منها الرغبة في استحضار ذكرى الضحايا والتعرف عليهم، أو تعريف الناس بماضيهم، أو دعم أو تعديل رواية تاريخية، أو تشجيع تبني الإحتفال بالذكرى.
إن الضحايا وجمعياتهم المنظمة كثيرا ما يطالبون بالعمل على بلوغ عدد من أهداف العدالة الإنتقالية بما في ذلك تحقيق العدالة والمحاسبة، وإظهار الحقيقة وجبر الضرر، وضمان عدم تكرار ما جرى3 وإن بناء نصب تذكاري يعتبر عملية تنطوي في طياتها على عناصر السياسة والتاريخ والجمالية، كما تعتبر النصب التذكارية جزء من منظر عادي واجتماعي يمكن أن يساعد في تحديد وبناء مفهوم تشاطري للتجربة الجماعية والخيال والنظرة الذاتية لشعب من الشعوب.
الفقرة التانية : بعض التجارب الدولية في مجال العدالة الانتقالية
تعتبر تجارب العدالة الانتقالية متعددة لذا سنركز على تجربتين رائد تين تتمثلان في:
جنوب افريقيا :
بدأت النقاشات الجادة بصدد فكرة إنشاء لجنة للحقيقة بعد انتخاب نيلسون مانديلا رئيسا للبلاد في 1994. وبعد مشاركة كبيرة من قبل المجتمع الدولي في جلسات الاستماع أصدر برلمان جنوب إفريقيا في 1995 "قانون تعزيز الوحدة الوطنية والمصالحة" منشأ لجنة الحقيقة والمصالحة المتكونة من 17 عضوا. فقد أعطى القانون لهذه اللجنة صلاحية منح العفو الفردي وسلطة التفتيش والمصادرة وجلب وإحضار الشهود، وقد عمل بها حوالي 350 موظفا وبلغت ميزانيتها قرابة 18000000 دولار أمريكي في السنة لمدة عامين ونصف.
كانت هذه اللجنة تعمل من خلال ثلاث لجان متصلة،" لجنة إنتهاكات حقوق الإنسان" كانت مسؤولة عن جمع الشهادات من الضحايا والشهود، والثانية " لجنة العفو " كانت تنظر في الطلبات الفردية للحصول على العفو. أما اللجنة الثالثة " لجنة التعويضات ورد الاعتبار" تتعلق أساسا ببرنامج التعويضات. 2
تلقت هذه الجنة شهادات من 25000 ضحية وشاهد، حيث قام الإعلام بتغطية أعمال اللجنة بصورة مكثفة


1// المركز الدولي للعدالة الإنتقالية، المرجع السابق
2// أنظر التقرير السنوي للمركز الدولي للعدالة الإنتقالية لسنة 2004، ص 65/66.
كما عقدت هذه اللجنة جلسات خاصة دارة حول قطاعات أو مؤسسات رئيسية في المجتمع ومشاركتها في الممارسات التي انتهكت حقوق الإنسان،كما قامت هذه اللجنة بمنح العفو الفردي عن الجرائم ذات الدوافع السياسية.وتلقت اللجنة ما يزيد على 7000 طلب للحصول على العفو،حيث رفض معظمها في النهاية.وقد وضعت اللجنة في اعتبارها عددا من العوامل عند تقريرها في مطلب العفو منها على سبيل المثال ما اذا كان هناك تناسب بين الجريمة المرتكبة والهدف المنشود.ولم يكن الاعتذار او ابداء الندم شرطا ضروريا لمنح العفو.
وبالفعل فقد نجحت بعض المحاكمات الشهيرة لجرائم الفصل العنصري في إدانة المتهمين وقضت بالسجن لفترات طويلة ،وهو ما ادى الى ارتفاع في عدد طلبات العفو. وعند انتهاء محاكمة الوزير السابق ماغنوس مالان و 19 آخرين بتبرئة المتهمين كان من الواضح أن خطر الإحالة إلى المحكمة لن يكون قويا بالدرجة التي تقنع العديد من الجناة من كبار المسئولين بالتقدم للحصول على العفو.1
نشر التقرير النهائي للجنة في خمسة أجزاء في أكتوبر 1998 وهو ما أشعل فتيل خلافات حادة تضمنت محاولة المؤتمر الوطني الإفريقي وقف نسر التقرير ورفضت الحكومة تنفيذ توصيات اللجنة بما في ذلك التوصية الأكثر إثارة لخلافة وهي الخاصة بتعويض الضحايا. فبصرف النظر عن كل الانتقادات التي وجهت إلى لجنة الحقيقة فقد مثلة اللجنة نقطة تحول حاسمة في تاريخ جنوب إفريقيا، وكان لها أثر دولي لم يسبق له مثيل مما أدى إلى الشغف الكبير بهذا النوع من الآلية في العالم بأسره.
غواتيمالا:
استمرت الحرب الأهلية في غواتيمالا أكثر من ثلاثين عاما وأسفرت عن حوالي 200000 قتيل ومفقود، وقد دارت بين القوات الحكومة المناهضة للشيوعية والثوار اليساريين، ومن بين أكثر الموضوعات المطروحة للنقاش في مفاوضات السلام إثارة للخلاف كانت مسألة كيفية معالجة انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب المرتكبة في الماضي أثناء فترة الانتقال إلى السلم، إلا أن توقيع اتفاقات السلام النهائية وبدأ أعمال اللجنة تأخر ثلاث سنوات.
إن فكرة إنشاء لجنة للحقيقة أثارة اهتماما كبيرا من جانب منظمات المجتمع المدني ومنظمات الضحايا، وما أثار قلقهم هي قصر المدة الممنوحة للجنة استجلاء التاريخ علاوة على النص على أنه ليس للجنة أن تحدد أسماء الجناة وهو ما أثار غضب اتجاه كبير من الاتحاد الثوري الوطني الغواتيمالي لقبوله هذه القيود فقد مال المجتمع المدني إلى مساندة اللجنة تدريجيا بعد تعيين أعضائها. وكانت أعمال اللجنة سرية إلا أنها كانت ملزمة بإعلان تأسيس ولايتها ودعوت الأطراف المتهمة إلى الإدلاء بالشهادة.2


1/ الشيخ سيد المختار الكنتاوي، البعد الدولي للعدالة الانتقالية في المغرب، رسالة في القانون العام، أكدال الرباط 2006/2007، ص 101.
2// الشيخ سيد المختار الكنتاوي، البعد الدولي للعدالة الانتقالية في المغرب، رسالة في القانون العام، أكدال الرباط 2006/2007، ص 103.
عملت هذه اللجنة لمدة 18 شهرا وكان رئيسها معينا من قبل الأمين العام للأمم المتحدة وعضوين آخرين من رعايا غواتيمالا اختا رهم الرئيس بموافقة الطرفين، وعملت على مراحل مختلفة واستخدمت طاقم عمل في حدود 200 موظف في ذروة عملها وأقل من 100 موظف في مراحل التحليل والتحقيق وصياغة التقرير. وبلغت ميزانيتها حوالي 11 مليون دولار أمريكي، تلقت اللجنة من الحكومة أقل من مليون دولار والباقي من ـ و م أ ـ النرويج هولاندا السويد الدانمارك واليابان. وكانت مهمة اللجنة أن تستجلي انتهاكات حقوق الإنسان وأعمال العنف المرتكبة ما بين 1962 و 1996 ، وبالرغم من صعوبة وصول اللجنة إلى القرى الوعرة للاستماع إلى شهادات ضحايا هذه الأخيرة، حيث استطاعت اللجنة زيارة 2000 مجتمع محلي تقريبا وتلقوا 7338 شهادة بما فيها 500 شهادة جماعية.
كما طالبت اللجنة الحكومة الأمريكية برفع الحظر عن بعض الملفات بمساعدة دار محفوظات الأمن القومي الأمريكي. وأسفر هذه عن رفع الحظر عن آلاف الوثائق. غير أن المعلومات من القوات المسلحة الغواتيمالية كانت قليلة بكثير، وقد زعمت أنه لليس لديها أية سجلات للأحداث الجاري التحقيق فيها. كما أكملت اللجنة تقريرها الطويل وشديد اللهجة في فبراير 1999 ونشرته للجمهور في إحتفال مشحون بالمشاعر حضره الآلاف، حيث كشف هذى التقرير ما ساد البلاد من الإرهاب. كما قامت اللجنة بتحليل النفقات الاقتصادية للنزاع المسلح وكذلك الخسارة في الإنتاج بسبب الوفيات، الذي يعادل %121 من الناتج القومي الإجمالي لعام 1990. وعزى التقرير % 93 من الانتهاكات إلى الجيش والقوات المسلحة % 3 إلى الإتحاد الثوري الوطني الغواتيمالي 1. وبالرغم من حظر إعلان اللجنة عن أسماء الجناة، فقد نشرت في تقريرها أن أغلبية انتهاكات حقوق الإنسان وقعت " بعلم أو بأمر أعلى السلطات في الدولة".
وبعد ثلاثة أسابيع على نشر التقرير النهائي ردت الحكومة بإصدار بيان قالت فيه أن جميع الأمور الهامة في توصيات لجنة استجلاء التاريخ قد تم معالجتها بصورة وافية في اتفاق السلام غير أنه بسبب ضغط المجتمع المدني أقدمت على تنفيذ توصيات معينة، مثل إنشاء مجلس مشترك بين الحكومة والمجتمع المدني للإشراف على عملية المتابعة، وكذلك تلك المتعلقة بمحاسبة المسئولين عن أسوأ انتهاكات حيث تم إجراء عدد من التحقيقات القضائية في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.2
المبحث الثاني : العدالة الانتقالية بالمغرب.


1/ الشيخ سيد المختار الكنتاوي، البعد الدولي للعدالة الانتقالية في المغرب، المرجع السابق، ص103/104
2// المركز الدولي للعدالة الإنتقالية، دراسات مترجمة، ص 25.
المطلب الأول: المحددات التاريخية للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب ونتائجها.
عرف المغرب وكغيره من دول المعمور انتهاكات وممارسات ماسة بحقوق الإنسان، وذلك خلال فترات محددة من تاريخه (الفقرة الأولى)، مما أثار حفيظة المجتمع الدولي والعديد من المنظمات غير الحكومية الوطنية التي انكبت على انتقاد سياسة المغرب في مجال تعامله مع حقل حقوق الإنسان، مما فرض عليه ضرورة العمل نحو إيجاد مناخ سياسي جديد يمهد لوضع أسس قيام دولة الحق والقانون وتوفير الآليات الضرورية لحماية حقوق الإنسان وحرياته والعمل على تطويرها وضمان التمتع بها. وكذا إحداث مصالحة وطنية مع الماضي، باعتبار ذلك دليلا معبراً عن الإرادة السياسية العليا في تبني فلسفة جديدة، حيال الحقوق الإنسانية (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: المحددات التاريخية للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالمغرب.
لقد تميزت السنوات الأولى من الاستقلال بالصراع على تحديد طبيعة المجال السياسي بين قوتين أساسيتين قوة القصر وقوة حزب الاستقلال الذي يعد يومئذ أهم التشكيلات السياسية التي حرصت على تبني سياسة الحزب الوحيد، بينما كانت اتجاهات القصر تتجه نحو تشكيل منظومة حزبية تعددية. وقد كان لهذا الصراع السياسي تداعيات خطيرة على وضعية حقوق الإنسان التي عرفت انتهاكات وتجاوزات مست بالأساس الحريات الفردية، والجماعية كالاعتقال والنفي وممارسة التعذيب والاختفاء القصري للمعارضين، مع التضييق على هامش حرية الصحافة والفكر والانتماء.1
لقد تكبد الضحايا أضرار جسيمة تراوحت بين فقدان الحق في الحياة. والإصابة بعاهات جسدية ونفسية مستديمة وفقدان فرص التعليم والشغل. وفرص تحسن الأوضاع الاجتماعية وغيرها
من الأضرار، كما أن سياسة القمع قد أضرت كثيرا بسمعة وصورة المغرب على الصعيد العالمي.1 إذ أن هذه الممارسات أثارت حفيظة المجتمع الدولي الذي نزل بكل ثقله على النظام السياسي المغربي في مجال ممارسة حقوق
1/ ذ أحمد بوجداد: «الملكية والتناوب»، مقاربة لإستراتجية تحديث الدولة، إعادة إنتاج النظام السياسي بالمغرب مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2000، ص 52.
الإنسان.
الفقرة الثانية: النتائج
في سياق هذا الضغط الدولي والمحلي، باشرت المملكة المغربية إفراز شروط لممارسة جديدة تتوخى التصفية الجيدة لملف حقوق الإنسان، الذي شكل نقطة سوداء في مسيرة النظام السياسي المغربي. لسنوات طوال. وذلك عبر سلسلة من الإجراءات والتدابير اتخذت في اتجاهات متوازية بغية تقليص دائرة الانتقادات والاتهامات الخارجية المختلفة حول انتهاكات حقوق الإنسان بالمغرب.1
وهكذا فإن الإقرار بالتشبث بحماية حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها في ديباجة أسمى قانون في البلاد لهو تعبير حقيقي على الإرادة السياسية للدولة في توطيد احترام الحقوق والحريات للمواطن. كما أن فكرة عالمية حقوق الإنسان الواردة في ديباجة الدستور هي فكرة يرتبط انجازها بوضع قوانين وطنية لحماية هذه الحقوق وإنشاء آليات قانونية ومؤسساتية لتنفيذها. وفي هذا الإطار قام المشرع المغربي بتقديم ضمانات قانونية لحقوق الإنسان منها المصادقة على جل الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وإصدار مجموعة من النصوص القانونية ذات الصلة كقانون الحريات العامة وقانون المسطرة الجنائية….
وفي مجال رغبتها في تصفية ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان عبرت الدولة المغربية عن وجود إرادة سياسية في هذا الصدد من خلال النبش في ذاكرة الماضي المؤلم وتحميلها المسؤولية في العنف الممارس من طرف بعض الأجهزة في فترة تاريخية معينة من أجل الوصول إلى مصالحة وطنية بين جميع الأطراف، ودون إثارة المسؤوليات الفردية أيا كان نوعها، واتخاذ إجراءات التعويض المادي والمعنوي لضحايا الانتهاكات الجسيمة، وتأهيلهم نفسيا واجتماعيا وجبر الضرر المعنوي من أجل إنصافهم والمصالحة معهم.1
وفي هذا الصدد أقدمت المؤسسة الملكية على عدة مبادرات هامة، كإحداث هيئة التحكيم المستقلة بتاريخ 16 غشت 1999 للتعويض عن الضرر المادي والمعنوي لضحايا الاعتقال التعسفي أو الاختفاء القهري أو ذوي الحقوق.2


1/ رشيد أقشي،.المغرب والالتزامات الدولية في مجال حقوق الإنسان، مطبعة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2005، ص 107
لكن ونظرا لشدة الانتقادات الموجهة لهذه الهيئة خاصة من طرف منظمات المجتمع المدني، اضطر المغرب ورغبة منه في التضييق من حدة هذه الانتقادات إلى القيام بعدة إجراءات كان أهمها إدخال إصلاحات على صلاحيات واختصاصات وتشكيلة المجلس الأعلى الذي أصدر في إحدى توصيات قراراً يقضي بإنشاء هيئة الإنصاف والمصالحة.
المطلب الثاني: هيئة الإنصاف والمصالحة كواجهة للعدالة الانتقالية في المغرب
في إطار موجة العدالة الانتقالية التي عرفها العالم والمراجعات التي قامت بها العديد من الدول لسياساتها مثل جنوب افريقيا وكواتيمالا قام المغرب بتصرف ذكي حتى يطوي صفحة ماضيه بكل ما تحمله من جراح وآلام وانتهاكات وذلك بإحداثه لهيئة الإنصاف والمصالحة وذلك حتى لا يشار إلى المغرب بالأصبع بأنه دولة تنتهك حقوق الإنسان وتحمي المنتهكين وحتى لا يتعرض المغرب إلى العزلة الدولية ولا يتم تشويه صورته بالخارج وحتى لا يتعرض المجرمين لمساءلة دولية قرر أن تفتح ملف الانتهاكات الجسيمة بنفسه بإنشائه الهيئة المذكورة سابقا والتي اختصت بمراجعة الانتهاكات التي حدثت بين 1956 إلى 1999 وإحداث جلسات حوارية([1]) وجلسات للاستماع للضحايا وتلك الجلسات التي كانت علنية وعمومية شكلت فرصة للضحايا بتفريغ آلامهم الدفينة وهذا البوح نفسه جزء من العلاج([2]) ثم بعد ذلك قامت بتعريضهم([3]) لكن الذي يؤاخذ على التجربة المغربية أنها لم تعاقب المجرمين كون الدولة اشترطت منذ البداية عدم معاقبة المجرمين لأن هذا الأمر قد يفتح جراحا عميقة وسيؤدي إلى هياج أو انفجار اجتماعي وتفاديا لهذه الأمور قرر المغرب تعويض الضحايا كما دعا جلالة الملك في خطابه الشهير إلى "الصفح الجميل".
الفقرة الأولى: مهام هيئة الإنصاف والمصالحة في استجلاء الماضي وتعويض الضحايا.
أولا: مهام هيئة الإنصاف والمصالحة في استجلاء الماضي.
- إن هيئة الإنصاف والمصالحة هي هيئة غير قضائية ثم إنشائها بموجب مرسوم ملكي([4]) بمقتضى الصلاحيات التي يختص بها الملك بصفته حاميا لحقوق المواطنين ومهمتها تقصي الحقيقة وتلقي الإفادات والإطلاع على الأرشيفات([5]) وصياغة تقرير ختامي لطي صفحة الماضي ومن أهم اختصاصاتها:
· الكشف عن الحقيقة مستعينة بكل الوسائل سواء من حيث الاستماع للضحايا أو الاطلاع على الأرشيفات كما سبق الذكر.
· جبر الأضرار من حيث التعويض المادي وإعادة التأهيل والإدماج والاسترداد ورد الاعتبار وكل أشكال جبر الضرر الملائمة حسب التحريات والأبحاث في نطاق الكشف عن الحقيقة.
· مواصلة البحث شأن حالات الاختفاء القسري التي لم يعرف مصيرها بعد.
· بدل كل الجهود بشأن الوقائع التي لم يتم استجلاؤها.
· الكشف عن مصير المختفين مع إيجاد الحلول الملائمة لمن تبتت وفاتهم.
· الوقوف على مسؤوليات أجهزة الدولة أو أي طرف آخر في الانتهاكات والوقائع موضوع التحريات.
· اعدادالتقرير([6]) كوثيقة رسمية للهيئة يتضمن التوصيات والمقترحات الكفيلة بحفظ الذاكرة وبضمان عدم تكرار ما جرى ومحو آثار الانتهاكات واسترجاع الثقة وتقريبها في حكم القانون واحترام حقوق الإنسان.
· المساهمة في تنمية واثراء ثقافة وسلوك الحوار وإرساء مقومات المصالحة دعما للتحول الديمقراطي ببلادنا وبناء دولة الحق والقانون وإشاعة قيم وثقافة المواطنة وحقوق الإنسان.
· النظر في قضايا الإعدام خارج نطاق القانون.
· النفي والإختفاء القسري والترحيل والحصار ونزع الممتلكات.
ثانيا إشكالية التعويض المادي والمعنوي.
يعتبر عمل هيئة الإنصاف والمصالحة.
وسعيا لإكمال مهمة الهيئة في ما يخص معالجة وتصفية ملف الانتهاكات بكل جوانبه المختلفة فإن مسألة التعويض تعتبر أحد أهم الإشكاليات التي طرحت أمام الهيئة لكونها تسعى لتكملة مسيرة هيئة التحكيم المستقلة بالإضافة الى وضع مقاربة شمولية تعمل من خلالها على تعويض الضحايا، إلا أن التساؤل الذي طرح نفسه هل استطاعت هيئة الإنصاف والمصالحة تعويض الضحايا بشكل عادل يتناسب والمعاناة الناتجة عن الانتهاكات والفظاعات التي تعرض لها الضحايا وعائلاتهم وذويهم.
وبتاريخ 16 غشت 1999، صدر الأمر الملكي بتأسيس هيئة التحكيم المستقلة للتعويض، المترتب عن الضررين المادي والمعنوي، لضحايا الاختفاء القسري، والاعتقال التعسفي، وقد تلقت الهيئة حوالي 5879 طلبا للتعويض، وصدرت القرارات الأولى للتعويض (98 قرار بغلاف مالي يتجاوز 14 مليار سنتيم). باعتبار التعويض حقا مشروعا طبقا للمادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والمادة 19 من الإعلان العالمي حول حماية الأشخاص حول الاختفاء القسري.
أ- معايير التعويض المادي المعتمدة من طرف هيئة التحكيم المستقلة:
أما بالنسبة لمعايير تقدير التعويضات، فإن هيئة التحكيم أخذت بالجوانب الآتية بعين الاعتبار:
· ما تبقى من العمر النشيط المفترض للشخص المعني، منذ اختفائه؛
· الدخل الذي كان يتوفر عليه، بعد تحيينه، وكذا رفعه، عند الاقتضاء إلى حد يكون ملائم للظروف الراهنة لعيش كريم؛[/rig
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
العدالة الانتقالية بالمغرب
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: الحوار العام و الترحيب و التعارف :: الحوار الإسلامي و الثقافي و الفكري-
انتقل الى: