العزلة

يتجنب بعض الناس العزلة , لأنهم يعتقدون أنها مرض نفسي , و هي قد تكون كذلك , و لكن , يجب التميز بين المنعزل الذي يتخذ موقعا دفاعيا و غير اجتماعي بعزلته , و بين المنعزل الذي يعود إلى ذاته من أجل أن يصغي إلى نفسه , في هذه الحالة الأخيرة , يكون الانعزال ردة فعل على الإسراف الاجتماعي , و الاختلاط القهري أو العشوائي , أما في الحالة الأولى فالانعزال يكون بسبب خوف الإنسان من السيطرة عليه أو الحط من قدره , و يمكن أن نقول أن الحياة المهنية , هي ميدان ممتاز للرغبة في السطوة و الإخضاع , خصوصا عندما يُتعامل مع الغير كأداة للأنانية . و لذا يفضل بعض الناس الانعزال , خوفا من أن يتعرضوا للإساءة .

و يقول الدكتور عائض القرني في احد كتبه الشهيرة : إذا فرجائي الوحيد إقبالك على شأنك , و الانزواء في غرفتك , إلا من قول خير أو فعل خير , حينها تجد قلبك عاد إليك , فسلمَ وقتك من الضياع , و عمرك من الإهدار , و لسانك من الغيبة , وقلبك من القلق , و أذنك من الخنا , و نفسك من سوء الظن , و من جرب عرف , و من أركب نفسه مطايا الأوهام , و استرسل مع العوام فقل عليه السلام .

و مما قرأت من أقوال تمجد العزلة , قولة أحد الفلاسفة : أيها الإنسان أنت صديق نفسك , فلماذا تبحث عن صديق خارج ذاتك ؟ , و قد قيل : كل من أحب العزلة فهي عِزٌ لهُ .

إن الإنسان يفضل أتفه صداقة , و أكثر الأفعال خلوا من الهدف , على أن ينفرد مع نفسه , لأنه اخترع خوفا جديدا , هو الخوف من العزلة , و أرى أن انفراد الإنسان مع نفسه خير من الاختلاط الهمجي , و في هذا الصدد أتذكر قولة نيتشه : المتوحد يلتهم نفسه في عزلته , و مع الحشود تلتهمه أعداد لا متناهية .

ختاما , في العزلة نجد التفكر و التأمل , و نجد السلام الداخلي .