لتواصل اللفظي وغير اللفظي في المجال البيداغوجي والديداكتيكي
تمهيـــــد:
يذهب
كثير من الدارسين إلى أن الدوال تدل وتتواصل بطريقة مباشرة وغير مباشرة،
ومنها: اللغة والعلامات والخطابات والأنساق و الإنسان وسائر الكائنات
الموجودة في الطبيعة. ويعني هذا أن كل شيء في عالمنا يحمل دلالة ووظيفة،
وهذه الوظيفة قد تكون ذات مقصدية أو بدون مقصدية، ذات ميزة فردية أو
جماعية، طبيعتها مادية أو معنوية. كما أن هذه الدوال التواصلية قد تكون
لفظية أو غير لفظية، تعبر عن وعي أو عن غير وعي.
هذا، وأصبح التواصل
اليوم عبارة عن تقنية إجرائية وأساسية في فهم التفاعلات البشرية وتفسير
النصوص والخبرات الإعلامية وكل طرائق الإرسال والتبادل.
وتعد اللغة
من أهم آليات التواصل و تقنيات التبليغ ونقل الخبرات والمعارف والتعلمات
من الأنا إلى الغير أو من المرسل إلى المخاطب. وهذه اللغة ذات مستويين
سلوكيين: لفظي وغير لفظي.
وقد استفادت مجموعة من العلوم والمعارف
والفنون من تقنيات التواصل من أجل أجرأة أهدافها السلوكية وتحقيق الغايات
التي رسمتها على المدى القريب والمتوسط والبعيد. ومن بين هذه العلوم
نستحضر: علم البيداغوجيا والديداكتيك الذي يقوم بالأساس على التواصل
الإنساني والتفاعلات اللفظية وغير اللفظية.
ومن المعروف كذلك أن
المؤسسة التربوية لايمكن أن تحقق ثمارها المرجوة ونتائجها الإيجابية إلا
من خلال الاحتكام إلى مبدإ التواصل البيداغوجي والديداكتيكي لتسهيل تبادل
المعارف وتنمية العلاقات الوجدانية وتمتين العلاقات التشاركية والتفاعلية
سواء على مستوى الإدارة التربوية أم على مستوى الفصل الدراسي.
إذاً،
ماهو التواصل لغة واصطلاحا؟ وما آلياته الإجرائية؟ وماهي العلوم التي
يستند إليها؟ وماهي أهم منظورات ونماذج التواصل؟ وماهو التواصل اللفظي و
غير اللفظي؟ وكيف يتحقق هذا التواصل بنوعيه في المجال البيداغوجي
والديداكتيكي؟ هذه هي الأسئلة التي سوف نحاول الإجابة عنها في موضوعنا
المتواضع هذا.
1- مفهوم التواصل لغة واصطلاحا:
أ- التواصل لغة:
يفيد
التواصل في اللغة العربية الاقتران والاتصال والصلة والترابط والالتئام
والجمع والإبلاغ والانتهاء والإعلام. أما في اللغة الأجنبية فكلمة
communication تعني إقامة علاقة وتراسل وترابط وإرسال وتبادل وإخبار
وإعلام. وهذا يعني أن هناك تشابها في الدلالة والمعنى بين مفهوم التواصل
العربي والتواصل الغربي.
ب- التواصل اصطلاحا:
يدل
التواصل في الاصطلاح على عملية نقل الأفكار والتجارب وتبادل المعارف
والمشاعر بين الذوات والأفراد والجماعات، وقد يكون هذا التواصل ذاتيا
شخصيا أو تواصلا غيريا، وقد ينبني على الموافقة أو على المعارضة
والاختلاف. ويفترض التواصل أيضا - باعتباره نقلا وإعلاما- مرسلا ورسالة
ومتقبلا وشفرة ، يتفق في تسنينها كل من المتكلم والمستقبل (المستمع)،
وسياقا مرجعيا ومقصدية الرسالة. ويعرف شارل كولي Charles Cooley التواصل
قائلا:" التواصل هو الميكانيزم الذي بواسطته توجد العلاقات الإنسانية
وتتطور. إنه يتضمن كل رموز الذهن مع وسائل تبليغها عبر المجال وتعزيزها في
الزمان. ويتضمن أيضا تعابير الوجه وهيئات الجسم والحركات ونبرة الصوت
والكلمات والكتابات والمطبوعات والقطارات والتلغراف والتلفون وكل ما يشمله
آخر ما تم في الاكتشافات في المكان والزمان" .
يتبين لنا عبر هـذا
التعريف أن التواصل هو جوهر العلاقات الإنسانية ومحقق تطورها. لذا،
فالتواصل له وظيفتان من خلال هذا التعريف: وظيفة معرفية: تتمثل في نقل
الرموز الذهنية وتبليغها زمكانيا بوسائل لغوية وغير لغوية، ووظيفة تأثيرية
وجدانية: تقوم على تمتين العلاقات الإنسانية وتفعيلها على مستوى اللفظي
وغير اللفظي.
وهناك من يعرف التواصل بأنه:" هو العملية التي بها يتفاعل المراسلون والمستقبلون للرسائل في سياقات اجتماعية معينة" .
وللتواصل ثلاث وظائف بارزة يمكن إجمالها في:
1- التبادل: Echange
2- التبليغ:Transfert
3- التأثير:Impact
ويعرف
التواصل أيضا بأنه هو: " تبادل المعلومات والرسائل اللغوية وغير
اللغوية،سواء أكان هذا التبادل قصديا أم غير قصدي، بين الأفراد
والجماعات". وبالتالي، لا يقتصر التواصل على ماهو ذهني معرفي ، بل يتعداه
إلى ماهو وجداني وماهو حسي حركي وآلي. أي إن التواصل:" ليس مجرد تبليغ
المعلومات بطريقة خطية أحادية الاتجاه، ولكنه تبادل للأفكار والأحاسيس
والرسائل التي قد تفهم وقد لاتفهم بنفس الطريقة من طرف كل الأفراد
المتواجدين في وضعية تواصلية".
ومن هنا، فالتواصل هو عبارة عن تفاعل
بين مجموعة من الأفراد والجماعات يتم بينها تبادل المعارف الذهنية
والمشاعر الوجدانية بطريقة لفظية وغير لفظية.
وتركز الصورة المجردة للتواصل على ثلاثة عوامل أساسية:
أ- الموضوع: وهو الإعلام والإخبار؛
ب- الآلية: التي تتمثل في التفاعلات اللفظية وغير اللفظية؛
ج- الغائية: أي الهدف من التواصل ومقصديته البارزة( البعد المعرفي أو الوجداني أو الحركي).
وهكذا،
يمكن القول: إن الاتصال أو التواصل عبارة عن عملية نقل واستقبال للمعلومات
بين طرفين أو أكثر. ويستند هذا التواصل في سياقاته إلى التغذية الراجعة
Feed Back عندما يحدث سوء الاستقبال أو الاستيعاب أو التشويش أو الانحراف
الانزياحي.
2- أنــــواع التواصل:
يمكن
الحديث عن أنواع عدة من التواصل الإنساني والآلي والسيميائي، فهناك
التواصل البيولوجي والإعلامي والآلي والسيكولوجي والاجتماعي والسيميوطيقي
والفلسفي والبيداغوجي والاقتصادي... ويقول طلعت منصور في هدا الصدد:" إن
وظيفة الاتصال تتسع لتشمل آفاقا أبعد . فكثير من الباحثين يتناولون
الاتصال كوظيفة للثقافة وكوظيفة للتعليم والتعلم وكوظيفة للجماعات
الاجتماعية وكوظيفة للعلاقات بين المجتمعات، بل ويعتبرون الاتصال كوظيفة
لنضج شخصية الفرد وغير ذلك من جوانب توظيف الاتصال" .
ويرتبط التواصل
بعدة علوم ومعارف يمكن حصرها في علم التدبير والتسيير، والعلاقات العامة،
والبيداغوجيا والديداكتيك، وعلم التسويق Marketing، وعلوم الإعلام
والاتصال، والفلسفة، والسيميولوجيا.
وسنختار من هذه الأنواع: التواصل
اللساني، والتواصل الفلسفي ، والتواصل اللسيميائي للحديث عنها مرجئين باقي
الأنواع التواصلية الأخرى إلى فترات لاحقة إن شاء الله.
أ- التواصل من المنظور اللساني:
يذهب
مجموعة من اللسانيين إلى أن اللغة وظيفتها التواصل كفرديناند دو سوسير
الذي يرى في كتابه " محاضرات في اللسانيات العامة" (1916) أن اللغة نسق من
العلامات والإشارات هدفها التواصل خاصة أثناء اتحاد الدال مع المدلول
بنيويا أو تقاطع الصورة السمعية مع المفهوم الذهني. وهو نفس المفهوم الذي
كان يرمي إليه تقريبا ابن جني في كتابه " الخصائص" عندما عرف اللغة بأنها
" أصوات يعبر بها قوم عن أغراضهم".
ويعرف أندري مارتيني André
Martinet اللغة بأنها عبارة عن تمفصل مزدوج وظيفتها التواصل. ويعني هذا أن
اللغة يمكن تقسيمها إلى تمفصل أول وهو المونيمات( الكلمات)، وبدورها تنقسم
إلى فونيمات( أصوات) ومورفيمات( مقاطع صرفية) التي تشكل بدورها التمفصل
الثاني. لكن الأصوات لايمكن تقسيمها إلى وحدات أخرى؛ لأن الصوت مقطع لا
يتجزأ. وإذا جمعنا الفونيمات مع بعضها البعض كونا مونيمات، وإذا جمعنا
الكلمات كونا جملا، والجمل تكون الفقرات والمتواليات، والفقرات تكون النص،
ويكون النص- تأليفا واستبدالا- ما يسمى باللغة التي من أهدافها الأساسية
التواصل.
ويذهب رومان جاكبسون إلى أن اللغة ذات بعد وظيفي، وأن لها ستة
عناصر وست وظائف: المرسل وظيفته انفعالية، والمرسل إليه وظيفته تأثيرية،
والرسالة وظيفتها جمالية، والمرجع وظيفته مرجعية، والقناة وظيفتها حفاظية،
واللغة وظيفتها وصفية. وهناك من يضيف الوظيفة السابعة وهي الوظيفة
الأيقونية.
وإذا كان الوظيفيون يرون أن اللغة واضحة تؤدي وظيفة التواصل
الشفاف بين المتكلم والمستمع،فإن أزوالد دوكرو Ducrot يرى خلاف ذلك أن
اللغة ليست دائما لغة تواصل واضح وشفاف، بل هي لغة إضمار وغموض وإخفاء.
ويعني هذا أن الفرد قد يوظف اللغة باعتبارها لعبة اجتماعية للتمويه
والتخفية وإضمار النوايا والمقاصد. ويكون هذا الإضمار اللغوي ناتجا عن
أسباب دينية واجتماعية ونفسية وسياسية وأخلاقية. فمهرب المخدرات قد لا
يستعمل اسم مهرباته بطريقة مباشرة، بل يستعمل الرموز للإخفاء كأن يقول
لصديقه: هل وصلت الحناء إلى هولندا؟ كما أن أسلوب الأمر في الشريعة
الإسلامية يستعمل للوجوب والدعاء والندب، وهذا يعني أن اللغة فيها أوجه
دلالية عدة؛ مما يزيد من غموضها وعدم شفافيتها التواصلية.
ويذهب رولان
بارت Roland Barthes بعيدا في تأويلاته للغة الإنسانية، إذ اعتبر اللغة
بعيدة عن التواصل، وجعلها لغة سلطة مصدرها السلطة. ويعني هذا أن الإنسان
عبد للغة وحر في نفس الوقت. فالمتكلم عندما يتحدث لغة أجنبية فهو خاضع
لقواعدها وتراكيبها ولمنظومتها الثقافية، ولكنه في نفس الوقت يوظف هذه
اللغة كيفما يشاء ويطوعها جماليا وفنيا. فاللغة الفرنسية استبدت كثيرا
بالشعب الجزائري لمدة طويلة فأخضعته لقواعدها وسننها اللساني؛ وعلى الرغم
من ذلك نجد بعض الأدباء الجزائريين بقدر ما هم خاضعون لهذه اللغة
الأجنبية، يتخذونها سلاحا لهم بكل حرية للتنديد بالاستعمار الفرنسي ونقده
والهجوم عليه وتطويع تلك اللغة وتعربيها. كما أن السلطة الحاكمة قد تفرض
اللغة التي تناسبها على المجتمع لفرض سيطرتها السياسية والإيديولوجية،
فبالقوة قد نفرض اللغة، كما أن اللغة هي التي تمنح السلطة السياسية للفئة
الحاكمة.
وهكذا، نستنتج أن اللغة قد تكون أداة للتواصل الشفاف كما
يمكنها أن تكون لغة للإضمار والتمويه والإخفاء، كما يمكن أن تكون أداة
للسلطة على حد سواء.
ب- التواصل من المنظور الفلسفي:
طرح
مفهوم الأنا والغير في الخطاب الفلسفي كثيرا من الإشكاليات التي تنصب كلها
في كيفية التعامل مع الغير، وكيف يمكن للأنا النظر إلى الغير؟!
يذهب
الفيلسوف الألماني هيجل إلى أن العلاقة بين الأنا والغير هي علاقة سلبية
قائمة على الصراع الجدلي كما توضح ذلك نظريته المسماة بجدلية السيد
والعبد. أما جان بول سارتر فيرى أن الغير ممر ووسيط ضروري للأنا ، إلا أن
الغير جحيم لا يطاق لأنه يشيء الذات أو الأنا. لهذا، يدعو سارتر إلى
التعامل مع الغير بحذر وترقب وعدوان، وأنه يستحيل التعايش بين الأنا
والغير أو التواصل بينهما ، مادام الغير يستلب حرية الأنا ويجمد إرادته.
لذلك، قال قولته المشهورة: " أنا والآخرون إلى الجحيم".
بيد أن
ميرلوبونتي رفض نظرية سارتر التجزيئية العقلانية، واعتبر أن العلاقة بين
الأنا والغير إيجابية قائمة على الاحترام والتكامل والتعاون والتواصل،
وأساس هذا التواصل هواللغة. أما ماكس شيلر فيرى أن العلاقة بين الأنا
والغير قائمة على التعاطف الوجداني والمشاركة العاطفية الكلية مع الغير،
ولا تقوم على التنافر أو البغض والكراهية. في حين يرى جيل دولوز أن
العلاقة التواصلية بين الأنا والغير في المجال المعرفي البنيوي قائمة على
التكامل الإدراكي.
ت- التواصل من المنظور السيميائي:
تندرج
تحت إطار سيميولوجيا التواصل أبحاث كل من برييطوPrieto وجورج مونان Mounin
وبويسنس Buyssens ومارتينيه Martinet وغيرهم. وهؤلاء جميعا يتفقون
على أن العلامة السوسيرية تتشكل من وحدة ثلاثية وهي: الدال والمدلول
والقصد. وهم يركزون كثيرا في أعمالهم على الوظيفة التواصلية. ولاتختص هذه
الوظيفة التواصلية بالرسالة اللسانية المنطوقة فحسب، بل توجد في أنظمة غير
لسانية أخرى كالإعلانات والشعارات والخرائط واللافتات والمجلات والنصوص
المكتوبة وكل البيانات التي أنتجت لهدف التواصل. وتشكل كل الأنماط
المذكورة علامات، ومضامينها رسائل أو مرسلات MESSAGES.
وهكذا يقصي
أنصار سيميولوجيا التواصل ذلك النوع من سيميولوجيا الدلالة التي تدرس
البنيات التي تؤدي وظائف غير وظيفية كما لدى رولان بارت مثلا.
ونستشف من خلال أبحاث ورؤى مؤسسي هذا الاتجاه أنهم يميلون إلى دراسة أنساق العلامات ذات الوظيفة التواصلية.
وبناء
على ذلك، فإن أفضل تناول حسب برييطو هو القول: " إن ما يميز الوظيفة
التواصلية عن الوظيفة الدلالية حصرا هو القصدية التي تتجلى في الأولى لا
في الثانية" .
إن السيميولوجيا حسب بويسنس عليها" أن تهتم بالوقائع
القابلة للإدراك، المرتبطة بحالات الوعي، والمصنوعة قصدا من أجل التعريف
بحالات الوعي هذه. ومن أجل أن يتعرف الشاهد على وجهة التواصل في رأي
بويسنس هو ما يكون موضوع السيميولوجيا" .
وقد ساهم أنصار هذا الاتجاه
في بلورة المشروع السوسيري القاضي بأن اللغة هي نظام للتواصل كما فعل كل
من تروبوسكوي ومارتينيه وبرييطو، حيث اهتموا اهتماما بالغا بدراسة أنظمة
الاتصال غير اللغوية وطرائق توظيفها كالإعلان وأرقام الحافلات... وغيرها
من الأنظمة، بل تطور هذا الاتجاه أساسا بتطور علم الدلالة.
4- أنمـــاط التواصل:
ومن
أنماط الاتصال الإنساني التواصل مع الذات والذي يكون عن طريق وعي الذات
بوجودها وكينونتها وتحقيق إنيتها الأنطولوجية ووعيها الداخلي بالعالم،
والتواصل بين الفرد والآخرين؛ لأن إدراك الآخر يساعد الفرد على إدراك
ذاته، والتواصل بين الجماعات الاجتماعية الذي يسعى إلى تنمية الروح
التشاركية و تفعيل المبدإ التعاوني وتحقيق التعارف المثمر البناء.
ومن
الأنماط التواصلية الأخرى نذكر: التواصل البشري، والتواصل الحيواني ،
والتواصل الآلي ( السيبرينطيقا)، والتواصل الإعلامي ( تكنولوجيا الاتصال
بصفة عامة).
5- مفاهيم التواصل ومكوناته الأساسية:
عند
الحديث عن التواصل أو أثناء استعمال هذا المفهوم بمثابة مقاربة تحليلية
أو منهجية إجرائية في استقراء العلاقات التفاعلية أو قراءة النصوص
والخطابات أو فهم الروابط الذهنية والوجدانية والحركية وتفسير أنسقتها
التبادلية، لابد من استحضار مجموعة من المفاهيم النظرية والعناصر
الأساسية التطبيقية باعتبارها مكونات جوهرية في عملية التبادل والتفاعل
والتأثير. وهذه العناصر هي:
1- زمنية التواصل temporalité؛
2- المكانية أو المحلية localisation؛
3- السنن أو لغة التواصل( التشفير والتفكيك)code؛
4- السياقcontexte؛
5- رهانات التواصلenjeux de communication ؛
6- التواصل اللفظي( اللغة المنطوقة) والتواصل غير اللفظي(اللغة الجسدية والسيميائية) communication verbale et non verbale؛
7- إرادة التواصل( بث الإرسالية قد تكون إرادية أو غير إرادية)volonté de communication؛
8- الفيدباك أو التغذية الراجعة، وذلك بتصحيح التواصل وتقويته وتدعيمه وإنهائهfeedback ؛
9- شبكة التواصل.Réseau le.
6- نماذج من التواصل:
هناك
كثير من نظريات التواصل التي حاولت مقاربة وفهم نظام التراسل والاتصال؛
لذلك من الصعب استقراء كل النظريات التي تحدثت عن التواصل، بل سنكتفي ببعض
النماذج التواصلية المعروفة قصد معرفة التطورات التي لحقت هذه النظريات
والعلاقات الموجودة بينها:
أ- النموذج الأول: النموذج السلوكي:
وضع هذا النموذج المحلل النفسي الأمريكي لازويلLasswell D . Harold سنة 1948 م، ويتضمن هذا النموذج مايلي:
من؟ ( المرسل)، يقول ماذا؟( الرسالة)، بأية وسيلة؟ ( وسيط)، لمن؟ ( المتلقي)، ولأي تأثير( أثر).
ويرتكز هذا النموذج على خمسة عناصر، وهي:المرسل و الرسالة والقناة والمتلقي و الأثر.
ويمكن
إدراج هذا النموذج ضمن المنظور السلوكي الذي انتشر كثيرا في الولايات
المتحدة الأمريكية، ويقوم على ثنائية المثير والاستجابة. ويتمظهر هذا
المنظور بجلاء عندما يركز لازويل على الوظيفة التأثيرية، أي التأثير على
المرسل إليه من أجل تغيير سلوكه إيجابا وسلبا.
ومن سلبيات هذا النظام
أنه يجعل المتقبل سلبيا في استهلاكه، ويمتاز منظوره بتملكه للسلطة في
استعمال وسائل التأثير الإشهاري في جذب المتلقي والتأثير عليه لصالح
المرسل.
وللتمثيل: فالمدرس هو المرسل، والتلميذ هو المتلقي، والرسالة
ما يقوله المدرس من معرفة وتجربة، ثم الوسيط الذي يتمثل في القنوات
اللغوية وغير اللغوية، والأثر هو تلك الأهداف التي ينوي المدرس تحقيقها
عبر تأثيره في التلميذ.
ب- النموذج الثاني: النموذج الرياضي:
وضع
هذا النموذج في سنة 1949م من قبل المهندس كلود شانون Claude Shannon
والفيلسوف وارين وايڤر Waren Weaver. ويركز هذا التصور الرياضي على
المرسل والترميز والرسالة وفك الترميز والتلقي.
ويعتمد هذا النظام
التواصلي على عملية الترميز أو التشفير، فالمرسل هو الذي يمكن أن يتقمص
دوره المدرس حيث يرسل رسالة معرفية وتربوية مسننة بلغة وقواعد ذات معايير
قياسية أو سماعية يتفق عليها المرسل والمرسل إليه الذي يتمثل في التلميذ
أو الطالب. فالمدرس يرسل خطابه التربوي عبر قناة لغوية أو شبه لغوية أو
غير لغوية نحو التلميذ/ الطالب الذي يتلقى الرسالة، ثم يفك شفرتها ليفهم
رموزها عن طريق تأويلها واستضمار قواعدها.
يهدف هذا النموذج إلى فهم
الإرسال التلغرافي، وذلك بفهم عملية الإرسال من نقطة Aإلى B بوضوح دقيق
دون إحداث أي انقطاع أو خلل في الإرسال بسبب التشويش. ويتلخص مبدأ هذا
النظام بكل بساطة في:" يرسل مرسل شفرته المسننة إلى متلق يفك تلك الشفرة".
ومن ثغرات هذا النظام الخطي أنه لا يطبق في كل وضعيات التواصل، خاصة إذا
تعدد المستقبلون، وانعدم الفهم الاجتماعي والسيكولوجي أثناء التفاعل
التواصلي بين الذوات المفكرة، كما يبقى المتقبل سلبيا في تسلمه للرسائل
المشفرة.
ت- النموذج الثالث: النموذج الاجتماعي:
هو
نموذج ريلي وريلي Riley &Riley الذي يعتمد على فهم طريقة انتماء
الأفراد إلى الجماعات. فالمرسل هو المعتمد، والمستقبل هم الذين يودعون في
جماعات أولية اجتماعية مثل: العائلات والتجمعات والجماعات الصغيرة...
وهؤلاء
الأفراد يتأثرون ويفكرون ويحكمون ويرون الأشياء بمنظار الجماعات التي
ينتمون إليها، والتي بدورها تتطور في حضن السياق الاجتماعي الذي أفرزها.
ويلاحظ أن هذا النموذج ينتمي إلى علم الاجتماع ولاسيما إلى علم النفس
الاجتماعي، حيث يرصد مختلف العلاقات النفسية والاجتماعية بين المتواصلين
داخل السياق الاجتماعي. وهذا ما يجعل هذا النظام يساهم في تأسيس علم تواصل
الجماعة la communication de groupe.
ومن المفاهيم التواصلية المهمة داخل هذا النظام نجد: مفهوم السياق الاجتماعي والانتماء إلى الجماعة.
ث- النموذج الرابع: النموذج اللساني:
إن
الذي وضع هذا النموذج اللساني الوظيفي هو رومان جاكبسون Roman Jackobson
في سنة 1964 م , حينما انطلق من مسلمة جوهرية وهي أن التواصل هو الوظيفة
الأساسية للغة، وارتأى أن للغة ستة عناصر وهي: المرسل والرسالة والمرسل
إليه والقناة والمرجع واللغة. ولكل عنصر وظيفة خاصة: فالمرسل وظيفته
انفعالية تعبيرية، والرسالة وظيفتها جمالية من خلال إسقاط محور الاستبدال
على محور التركيب، والمرسل إليه وظيفته تأثيرية وانتباهية، والقناة
وظيفتها حفاظية، والمرجع وظيفته مرجعية أو موضوعية، واللغة أو السنن
وظيفتها(ه) لغوية أو وصفية.
وهناك من يزيد الوظيفة السابعة للخطاب اللساني وهي الوظيفة الأيقونية بعد ظهور كتابات جاك دريدا J . Derrida والسيميوطيقا التواصلية.
ولتوضيح
مفاهيم جاكبسون أكثر نعود إلى المجال التربوي والديداكتيكي للتمثيل
والشرح. فقد قلنا سابقا إن من وظائف التواصل لدى رومان جاكبسون:
1- الوظيفة
المرجعية: يلتجئ المدرس هنا إلى الواقع أو المرجع لينقل للتلميذ أو الطالب
معلومات وأخبارا تحيل على الواقع، أي تهيمن هنا المعارف الخارجية والمعارف
التقريرية المرتبطة بمراجع وسجلات كالمرجع التاريخي والمرجع الأدبي
والمرجع اللساني والمرجع الجغرافي...
2- الوظيفة التعبيرية:تتدخل في
هذه الوظيفة ذات المرسل وذلك من خلال انفعالاته وتعابيره الذاتية ومواقفه
وميولاته الشخصية والإيديولوجية.
3- الوظيفة التأثيرية: تنصب على
المتلقي، ويهدف المرسل من ورائها إلى التأثير على مواقف أو سلوكيات وأفكار
المرسل إليه؛ لذلك يستعمل المدرس لغة الترغيب والترهيب والترشيد من أجل
تغيير سلوك المتعلم.
4- الوظيفة الشعرية أو الجمالية: إن الهدف من
عملية التواصل هو البحث عما يجعل من الرسالة رسالة شعرية أو أجناسية
جمالية، وذلك بالبحث عن الخصائص الشعرية والبويطيقية مثل: التركيز على
جمالية القصيدة الشعرية ومكوناتها الإنشائية والشكلانية.
5- الوظيفة
الحفاظية: إن التركيز على القناة يكون بلاشك من أجل تمديد التواصل والحفاظ
عليه ، كأن يستعمل المدرس خطابا شبه لغوي أو لغوي أو حركي من أجل تمديد
التواصل واستمراره بين المدرس والتلاميذ/ الطلبة، وذلك باستعمال بعض
المركبات التعبيرية التالية: ( أرجوكم انتبهوا إلى الدرس!)، ( انظروا هل
فهمتم؟)، ( اسمع أنت!) الخ
6- الوظيفة الميتالغوية أو الوصفية: يركز
المدرس عبر هذه الوظيفة على شرح المصطلحات والمفاهيم الصعبة والشفرة
المستعملة مثل شرح قواعد اللغة والكلمات الغامضة الموجودة في النص
والمفاهيم النقدية الموظفة أثناء الشرح
واول الكلام واخره الصلاة على خير الانام
الموضوع طبعا منقول
والسلام .