صفات الرسول صلى الله عليه وسلم الخلقية
( وإنك لعلى خلق عظيم )
كان النبي صلى الله عليه وسلم يمتاز بفصاحة اللسان وبلاغة القول.
وكان الحلم والإحتمال ، والعفو عند المقدرة ، والصبر على المكاره، صفات أدَّبه الله بها، وكل حليم قد عُرف منه زلة، وحُفظت عنه هفوة، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يزد مع كثرة الأذى إلا صبراً ، وعلى إسراف الجاهل إلا حلماً.
قالت عائشة رضي الله عنها : ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان أبعد الناس عنه ، وما إنتقم لنفسه إلا أن تُنتهك حرمة الله فينتقم لله بها | أخرجه البخاري ومسلم | ، وكان أبعد الناس غضباً وأسرعهم رضًا .
وكان من صفة الجود والكرم على ما لا يقادر قدره كان يعطى عطاء من لا يخاف فقراً ، قال إبن عباس : كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة | أخرجه البخاري ومسلم | .
وكان من الشجاعة والنجدة والبأس بالمكان الذي لا يُجهل، كان أشجع الناس، حضر المواقف الصعبة، وفرَّ عنه الكمأة والأبطال غير مرة، وهو ثابت لا يبرح، ومقبل لا يدبر، ولايتزحزح، وما شجاع إلا وقد أُحصيت له فرة، وحفظت عنه جولة سواه، قال علي : كنا إذا حمى البأس واحمرت الحدق اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه.|أخرجه النسائي وأبو يعلي وأبو الشيخ في [ أخلاق النبي ] ويشهد له حديث البراء - عند مسلم - قال : كنا، والله! إذا احمرَّ البأسُ نتقي به، وإن الشجاع منا للذي يحاذي به . يعني : الرسول صلى الله عليه وسلم |. قال أنس: فزع أهل المدينة ذات ليلة، فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعاً، وقد سبقهم إلى صوت، وهو على فرس لأبي طلحة عري، في عنقه السيف، وهو يقول : ( لم تراعوا، لم تراعوا). | أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وإبن ماجه وأحمد |.
وكان أشد الناس حياء وإغضاء، وقال أبو سعيد الخدري : كان أشد حياء من العذراء في خدرها، وإذا كره شيئاً عُرف في وجهه، | أخرجه البخاري ومسلم وإبن ماجة و أحمد |، وكان لا يثبت نظره في وجه أحد، خافض الطرف لا يشافه أحدًا بما يكره حياء وكرم نفس، وكان لا يسمي رجلاً بلغ عنه شئ يكرهه : بل يقول، ( ما بال أقوام يصنعون كذا ). | صحيح البخاري وصحيح مسلم...|
وكان أحدق الناس بقول الفرزدق :
يغضــى حياءً ويغضــى من مهابتـــــه فـلا يكلـــم إلا حـــين يــبــتــســــــم
وكان أعدل الناس، وأعفهم، وأصدقهم لهجة، وأعظمهم أمانة، اعترف له بذلـك محاوروه وأعداؤه، وكان يسمى قبل نبوته الأميـن، ويُتحاكم إليه في الجاهلية قبل الإسلام.
وكان أشد الناس تواضعاً، وأبعدهم عن الكبر، يمنع عن القيام له كما يقومون للملوك وكان يعود المساكينـ ويجالس الفقراء، ويجيب دعوة العبد، ويجلس في أصحابه كأحدهم، قالت عائشة رضي الله عنها : كان يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويعمل بيده كما يعمل أحدكم في بيته | أخرجه أحمد وعبد بن حميد وأبو الشيخ وصححه ‘بن حبان والألباني |، وكان بشراً من البشر يفلى ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه | أخرجه أحمد والترمذي والبخاري والبغاوي وصححه إبن حبان والألباني |.
كان أوفى الناس بالعهود، وأوصلهم للرحم، وأعظمهم شفقة ورأفة ورحمة بالناس، وأحسن الناس عشرة وأدباً، وأبسط الناس خلقاً، أبعد الناس من سوء الأخلاق، لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ، ولا لعاناً ولا صخاباً في الأسواق، ولايجزي السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح | أخرجه الترمذي وأحمد ،وقال الترمذي ( حديث حسن صحيح ) وبنحوه أخرجه البخاري وأحمد .|، وكان لايدع أحداً يمشي خلفه، وكان لايرتفع على عبيده وإمائة في مأكل ولا ملبس، ويخدم من خدمه، ولم يقل لخادمه أُف ٍّ قط، ولم يعاتبه على فعل شئ أو تركه | أخرجه البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم من حديث أنس .| ،وكان يحب المساكين ويجالسهم ويشهد جنائزهم، ولايحقر فقيراً لفقره.
وعلى الجملة فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم مُحلَّى بصفات الكمال المنقطعة النظير، وأدَّبه ربه فأحسن تأديبه، حتى خاطبه مثنيـًا عليه فقال : [ وَإنَّـكَ لَعَـلَى خُـلُـقٍ عَـظِـيـم ٍ ] | القلم :4 |، وكانت هذه الخلال مما قرب إليه النفوس، وحببه إلى القلوب، وصيره قائدًا تهوى إليه الأفئدة، وألان من شكيمة قومه بعد الإباء، حتى دخلوا في دين الله أفواجـــاً.
وحسبُـه أن الله عز وجل جمع له ذلك كله بقولـــه تعالى: [ وَإنَّـكَ لَعَـلَى خُـلُـقٍ عَـظِـيـم ٍ ] | القلم :4 |.
المصدر : سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
من ترتيب وتجميع:
محمود المصري | أبو عمّــــار |