دولة الحق و القانون و دور العدالة الجنائية الدولية

تقرير عن محاضرة حول موضوع:

" دولة الحق و القانون و دور العدالة الجنائية الدولية"
المركز العلمي العربي لأبحاث والدراسات الانسانية

2013/11/23

الطالب الباحث: حسان بيشا

ماستر العلوم و المهن الجنائية

في إطار سياسة الانفتاح على المؤسسات الدولية الفاعلة في مجال تعزيز حقوق الإنسان و السلم العالمي، نظم المركز العلمي العربي لأبحاث و الدراسات الإنسانية محاضرة بعنوان "دولة الحق و القانون و دور العدالة الجنائية الدولية" ألقها الأستاذ فادي العبد الله الناطق الرسمي باسم المحكمة الجنائية الدولية في 23 من الشهر الجاري برحاب المكتبة الوطنية للمملكة المغربية.
و افتتحت المحاضرة بكلمة تقدم بها كل من السيد ابراهيم أعراب بإسم المركز المذكور و الأستاذ إدريس لكريني، تضمنت ترحيب بالحضور الكريم و شكر خالص للضيف لقبوله تلبية الدعوة، لتحال الكلمة للسيد العبد الله فادي، بعد تأثيث ارضية المحاضرة بالحديث عن أهمية الفرد و تطور اليات حمايته عبر القرن الماضي و صولا إلى المحكمة الجنائية الدولية.
استهل الاستاذ فادي محاضرته بشكل مركز عن المحكمة الجنائية الدولية و علاقتها بالعالم العربي مؤكد على أنه من أصل 122 دولة طراف في هذه المحكمة، نجد فقط اربع دول عربية هي: الاردن، تونس، جزر القمر و جيبوتي، في حين أن الدول العربية الأخرى لديها تحفظات و لم تنظم إلى هذه المحكمة، كما أن عدد المحامين الذين يمكنهم الترافع أمام هذه المحكمة هم حوالي 500 محامي10 % منهم فقط من العالم العربي، أما الموظفين فهناك 3% أو 4% و سبب ذلك في رأيه لا يعود إلى قلة الكفاءة، و إنما إلى سوء الفهم و غياب الإطلاع الكافي على طرق و آليات عمل الأمر الذي يخلق عدد كبيرا من الالتباسات من ضمنها الأسئلة التي لا تجد اجابات صحيحة أو واقعية دائما عليها و إن كانت مشروعة، من نوع لماذا تتحرك الملاحقة من طرف المحكمة الجنائية الدولية لما يتعلق الأمر بليبيا و السدان و تترك ما يحصل في غزة و سوريا مثلا ؟.
ليعرج بعدها على صلب الموضوع متناول اياه في محورين رئيسين :
المحور الأول: ما هي حقيقة المحكمة الجنائية الدولية؟
المحور الثاني: الفوائد و الاحتمالات الممكنة لأتعاون مع المحكمة
قدم في المحور الأول نبذة مقتضبة عن المحكمة الجنائية الدولية من خلال توضيح أن هي محكمة اقيمت باتفاقية دولية بروما في عام 1098 و دخلت حيز النفاذ في عام 2002 و أن فكرتها بدأت في بدايات القرن العشرين و التي لم تصبح حقيقة إلا بعد انتهاء الحرب الباردة بالدرجة الاولى و كذا الأسباب التي دفعة المجتمع الدولي إلى التفكير جديا و الاتفاق على انشاء هذه المحكمة الجنائية الدائمة، حيث عتبر تجربة المحاكم الخاصة أحد الأسباب الرئيسية في ذلك على اعتبار تعامل هذه الخيرة مع القضيا محدد في الزمن و المكان كما هو الحال في روندا و يوغسلافيا في النزاع الذي حصل في التسعينات وعدم شمول اختصاصها الأماكن الأخرى من العالم و بالتالي ليس لها المفعول الرادع نفسه لمحكمة دولية يشمل اختصاصها ربوع المعمورة و أزمنة اوسع من ذلك، و أكد ايضا من جهة على حيادية المحكمة و نزاهتها امام كل ملاحقة وفق الأدلة المعروضة، و لا تقوم بأي حال من الاحوال بملاحقة الخاسر في نزاع ما، الشيء الذي اعتبره عاملا رادعا فالطرف في النزاع ليس له الزعم أنه ذا انتصر أنه يكون محمي و هذا الامر يسري و لو كان النزاع لازال على اشده.
كما اعتبر أنها محكمة دائمة و مستمرة في المستقبل، يمكن لها أن تلاحق الجرائم الجديدة التي سوف ترتكب في المستقبل فلا نحتاج إلى إنشاء محكمة خاصة جديدة أو اتفاقية جديدة ، و بالتالي المحكم الجنائية الدولية هي محكمة اختصاصها مبني على اتفاقية دولية و ليس مبني على شِرعة الامم المتحدة ، فاختصاصها ليس عالمي و لكن هو اختصاص دولي أي يلزم الدول التي انضمت إلى هذه الاتفاقية.
هناك حاليا 122 دولة منظمة و بالتالي فإن أي جرائم يكون توصيفها القانوني جرائم ابادة جماعية أو ابادة أو ضد الإنساني ، إذا ارتكبت على أراضي هذه الدول 122 و إذا ارتكبتها موطنها، فإنه يمكن للمحكمة أن تلاحق كل مرتكب لها و محاكمته. و هذه النقط حسب أستاذنا جد مهمة ، فإذا تم ارتكاب جرائم على اراضي دولة هي طرف في هذا النظام جاز للمحكمة أن تحريك المتابعة أي كانت جنسية مرتكبها و بالتالي هذا يؤمن حماية قانونية لشعوب دول الاعضاء في هذه الاتفاقية أيا كان المعتدي و لو كان غير منضم إلى الاتفاق الأخير ، منتها بالقول أحيانا لاخوانيه البنانيين لو كان لبنان منظم لهذه الاتفاقية لأمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تلاحق مرتكبي الجرائم التي حصلت عام 2006 في الحرب الاخيرة مع اسرائيل.
أما النقط الثانية في هذا المحور تركزت بالأساس على اختصاص المحكمة الذي اعتبره الاستاذ محددا من ناحية النوعية و الزمانية :
من حيث الزمان لأنه يتعلق بالجرائم اللاحقة على تاريخ 1/7/2002 و فإذا انضمت الدولة بعد هذا التاريخ يكون لها الخيار أن تنظم بمفعول ذو اثر رجعي حتى 2002 أو أنها تنظم فقط للمستقبل و بالتالي تضمن المحكمة لشعبها الحماية في الجرائم التي ترتكب بعد انضمام هذه الدولة إلى نظام روما الاساسي.
و من ناحية أخرى وضح العبد الله أن الجرائم التي يمكن للمحكمة أن تلاحقها ينبغي أن تكون جرائم ارتكبت على نطاق واسع فالمحكمة لا تلاحق الجرائم الفردية أو ليست ذي قدر معين من الجسامة، و أن تراعي كذلك احترام مبدأ التكامل؛ و يعني أنه إذا كان القضاء الوطني له القدرة و الإرادة في ملاحقة مرتكبي الجرائم فلا حاجة لمحكمة دولية و بالتالي فالمحكمة الدولية لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول إلا إذا كان القضاء الوطني عاجزا عن تحقيق العدالة بفعل النزاعات الحاصلة أو ليست له الرغبة في ملاحقة مرتكب هذه الجرائم، عندها فقط تتدخل المحكمة كحل تكميلي و ليس سلطة أساسية و أولية، أمام هذا كله يمكن أن نلامس عدد من الاختلافات بين المحاكم الخاصة و المحكمة الدولية لأن هذه الأخير لم تنشأ بقرارات أو اتفاقيات مع مجلس الأمن و الأمم المتحدة، و لكنها اشأت باتفاقية دولية، كما تختلف عن المحكمة العدل الدولية لأنها لا تلاحق إلا افراد عن مسؤوليتهم الجنائية على جرائم تقع ضمن اختصاصها، بينها محكمة العدل تفصل في النزاعات بين الدول و المحكمة الجنائية الدولية تلاحق افراد و ليس دول أ احزاب أو غيرهم من الأشخاص اشخاص المعنويين.
و في اخر المحور تطرق الأستاذ المحاضر إلى تبيان طرق تحريك المتابعة من طرف المحكمة و التي جعلها محدد في ثلاث طرق اثنين منها اساسين و الأخر منها استثنائي:
يتجلى الطريق الاستثنائي، في يطلب يقدمه مجلس الأمن إلى المحكمة من أجل أن تفتح تحقيقا و في هذه الحالة المدعي العام يقوم بتحليل أولي للموضوع ومن تم يحق له أن يقبل أو يرفض أو يقبل به بناءا الأدلة المتوفر أمامه،
و في معرض حديثه عن مجلس الأمن و ما كان يدور من نقاشات و لا تزال بخصوص هذا الطريق و ما يلعبه مجلس الأمن من دور محوري فيه من جانب و تشكيلة هذا الأخير جانب أخر قائلا: " المبدأ الذي أتفق عليه في روما عام 1998 كان أنه لا ينبغي أن يسمح للحكومات اللإفلات من العقاب و ارتكاب جرائم ضد شعوبها، فقط لأن هذه الحكومات قررت ألا تنظم للاتفاقية الدولية و بالتالي تصبح محصنة من كل ملاحقة، و لذلك كان هناك الجاجة إلى صمام أمان يسمح للمحكمة الجنائية أن تلاحق مرتكبي الجرائم في الدول التي لم تنظم، إذا كان هناك قلقل على المستوى دولي من حجم و جسامة هذه الجرائم، فتم النظر إلى الامم المتحدة و خاصة مجلس الأمن باعتباره من شِرعة الأمم المتحدة، الهيئة الوحيدة التي تستطيع و لها الصلاحية بأن تزم الدول أو الاعضاء في الأمم المتحدة، بالتزامات و واجبات قانونية، فإذا كانت هناك دولة هي عضو في الامم المتحدة، فهي إذا ملتزم بقرار سيادي منها، بشِرعة الأمم المتحدة و شِرعة الأمم المتحدة تسمح لمجلس الأمن بأن يفرض على هذه الدول التزامات كما حصل في موضوع روندا و من بين هذه الالتزامات القانونية فرض التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية و بالتالي هذا الاستثناء ليس خرقا للسيادة الوطنية، و هذا كان الحل ليظل هناك احترام لسيادة الدول و سقوط ثقافة الافلات من العقاب".
الطريق الثاني: و الأكثر استعمالا هو أن تقوم حكومة دولة عضو في نظام رما الأساسي أن تطلب تحقيق كما في ساحل العاج و الكنغو و مالي ...
الطريق الثالث: المدعي العام من تلقاء نفسه بتحريك المتابعة مراعيا في ذلك الاختصاص الحصري للمحكمة، و قد استخدم عمليا في كينيا و لكن هناك عمل موزا لهذه الامكانية الحساسة، وهي تتمثل في طلب الإذن من قضاة المحكمة أي أنه في ذلك يكون تحت رقابة.
المحور الثاني: الفوائد الممكنة و الاحتمالات الممكنة لتعاون معها
أكد الأستاذ فادي الافادة التي تتحصل عليها الدول من جراء انظمامها الى المحكمة الجنائية و الي يمكن توزعها على المستويات التالية:
فعلى مستوى القانون و الخبرات : عندما يكون هنالك انضمام إلى المحكمة يتم استدخال قواعد النظام الاساسي إلي القانون الوطني فيساهم في تطوير هذا الأخير و بناء تلك القواعد على أخر ما تم التوصل إليه في مجال القانون الجنائي الدولي، سواء في تعريف الجرائم تحديد المسؤولية، دور المجني عليهم و في اشكال تعويض المجني عليهم و ضمانات المحاكمة العادلة و ما إلى ذلك.
كما أن الانضمام أو التعاون مع المحكمة يسمح للخبرات الوطنية من محامون و قضاة من الاستفادة منها التجارب و الخبرات التي تمنحها المحكمة، فضلا عن الاستفادة من فرص العمل من داخل المحكمة، و الاستفادة من حق التصويت على انتخاب القضاة و المدعين العامين، و حق تقديم مرشحين لهذه الدولة ذو قدرات و كفاء عالية.
على المستوى السياسي:
الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية يعطي إشارة لشعب نفسه أن دولتهم ستمتنع عن ارتكاب أي نوع من الجرائم في حقه و ايضا تامين الحماية له حتى على المستوى الدولي، من أي معتدي ايا كانت جنسيتة، و فيها الإشارة أيضا إلى المجتمع الدولي، بان هذه الدولة راغبة بالانخراط في مسار دعم القانون الدولي.
هذا فضلا عن الاستفادة من التكامل الإيجابي أي دعم القضاء الوطني لأجراء عملية الملاحقات، و هذا ما تقوم به جمعية دول الأعضاء، بالاضاف إلى أن المحكمة الجنائية الدولية هي محكمة دائمة و نظامها يخضع الى التطور و التحسين بالتالي نكون غير قدرين على المساهمة هذه المنظومة و بالتالي الحرمان في المساهم في رسم وجه المستقبل.
وبخصوص احتمالية انضمام الدولة العربية :
هناك تعاون اجابي من الدول العربية مع المحكمة الجنائية الدولية و أن أغلب الدول كانت موجودة في روما سنة 1998، اغلبها صوت بالإيجاب لصالح الاتفاقية و لكنها لم تصادق عليها في وقت لاحق بدعوى أن جريمة العدون لم يتم ادراجها في جريمة العدوان، لكن هذا الأمر تم تعديله في 2010 و أصبحت هذه الجريمة جزء من النظام لكن لم يتم تفعيله بانتظار التصويت عليه في 2017، و أشار إلى أنه يمكن فقط لدول الاعضاء التصوت، و لذلك إذا كانت الدول العربية راغبة أن يكون الاختصاص المحكمة شاملا لجريمة العدوان عليها أن تكون اعضاء في المحكمة.
و أشار في الأخير إلى أن المغرب عمل سن عدد من التشريعات القانونية سواء على مستوى الدستور و القانون الجنائي و المسطرة الجنائية بشكل يتلاءم مع نظام روما الأساسي، الشيء الذي يجعل للمغرب أرضية تأهلها لانضمام لهذا النظام مستقبلا.

» تقرير حول ندوة "واقع وافاق اصلاح العدالة بالمغرب"
» تقرير حول ندوة :واقع و افاق اصلاح منظومة العدالة بالمغرب
» تقرير حول ندوة " واقع وآفاق منظومة إصلاح العدالة بالمغرب "
» إصلاح منظومة العدالة
» تقرير حول ندوة :واقع و افاق اصلاح منظومة العدالة بالمغرب