الحوار محاور محترف
عدد الرسائل : 137 المدينة : من أجل الانضمام لمجموعة المحاورين القانونيين لمدينتك الكلية : فرصة لتتعارف مع المحاورين القانونيين بكليتك،و لإنشاء فرق بحث و تعاون . التخصص : فرصة للتعرف على الأعضاء ذوو التخصصات المتشابهة . المستوى الحواري : عدد النقاط : 6062 تاريخ التسجيل : 18/04/2008
| موضوع: الأسس النظرية للمجتمع المدني وأبعادها الثقافية الخميس مايو 01, 2008 2:40 pm | |
| الأسس النظرية للمجتمع المدني وأبعادها الثقافية جاسم بديوي مهما يكن من أمر فان فكرة المجتمع المدني ظهرت بشكل واضح واخذت تتنامى في العالم بالتجاور مع فكرة الديمقراطية في العالم، ويقر الجميع تقريباً بان المجتمع المدني وان ظهر نتيجة رد فعل ازاء الاستبداد والتسلط الا ان الجميع متفقون على امكانية تقويته ذلك كونه مرجعية اجتماعية او ثقافية خارج اطار سيطرة الدولة، فهو الرد على سيطرة الحزب الواحد في الدولة الشيوعية والرد على البيروقراطيات وتمركز اتخاذ القرارات في الليبراليات السياسية، وهي ايضا رد على الديكتاتوريات في ما يسمى بالعالم الثالث من جهة والبنى العضوية والتقليدية فيه. ظهر مفهوم المجتمع المدني في اوروبا خلال القرن السابع عشر وهناك من يرى في النصف الثاني في القرن الثامن عشر لابراز تحول اوروبا الغربية في الاستبداد الى الديمقراطية البرجوازية، ثم اختفى هذا المفهوم ولم يظهر بصورته الجلية الحالية الا مع غرامشي بعد الحرب العالمية الاولى او انتصار الحزب الشيوعي الروسي بهدف التفكير في الخصوصية التي تميز الحركات الشيوعية في المجتمعات ذات التقاليد الديمقراطية التقليدية. وقد تبلور مفهوم المجتمع المدني في صيغته السياسية في سياقات نظرية العقد الاجتماعي، وفقاً لهذه النظرية كان مفهوم المجتمع المدني مرادفاً لمفهوم المجتمع المؤسس بناء على العقد الاجتماعي، فيقول جون لوك: يؤلف الناس جماعة واحدة ويتخلى كل منهم عن سلطة تنفيذ القانون الطبيعي الذي يخصه، ويتنازل عنها المجتمع، ينشأ حينذاك مجتمع سياسي او مدني هدفه تحقيق الامن والسلام وهي نفسها ـ اي السلطة ـ هذه جزء من فلسفة هوبز في المحافظة على املاك الافراد. وهنا تتجلى الابعاد الفلسفية التي اطرتها نظرية العقد الاجتماعي كنظرية جاءت هي الاخرى نتيجة رد فعل معاد لنظرية الحق الالهي للملوك، ومن هنا يأتي اقتران المجتمع المدني بالمجال (الدينوي) اذ يتمايز المجال السياسي من ارث العصور الوسطى المسيحي الكنسي حيث تصبح الدولة والقوانين والمؤسسات نتاج التجربة التاريخية المستقلة عن المجال الروحي في صورته الدينية. وكان لوك اكثر مفكري مدرسة العقد الاجتماعي اهتماماً بمفهوم المجتمع المدني في ظهوره الاول الذي اريد منه وصف المجتمع الذي دخله الافراد ولضمان حقوقهم في ظل القانون الطبيعي، لكن غياب السلطة القادرة على الضبط في المجتمع الطبيعي كان يهدد ممارساتهم لحقوقهم في الحياة والحرية والتملك، وتكفلت السلطة في العقد الاجتماعي بصيانة ورعاية تلك الحقوق مقابل التنازل عن الحكم للطرف الحاكم ضمن اتفاق محترم يستدعي خرق هذا الاتفاق الثورة ضد الحاكم. اذن عندما ظهر مفهوم المجتمع المدني في المنظومة السياسية والفلسفية كان يراد من الدولة ان تكون (الة اصطناعية) تتجه نحو ضبط سلوك الافراد وحماية حقوقهم بشكل عام، اما عند هيجل فسيكون المجتمع مجالاً للتنافس والصراع بين المصالح المتعارضة وذلك تبعاً لمنطقه ثلاثي الايقاع،(الشيء) و(نفيه) (والشيء ونفيه)، فقد قدم هيجل مجتمعاً مدنيا بعيداً من الدولة، مجتمعاً تسوده الفرقة والنزاعات والتمزق حيث لايتحقق لهذا المجتمع استقرار الا في ظل وجود الدولة التي تضيف اليه طابعاً اخلاقياً وتوجهاً قصدياً نحو قيم محددة. فهيجل يرى في الدولة النموذج العقلاني في التطور والعنصر الروحي الاهم في الثقافة. ولا يروق لهيجل ما عرف بالانسجام الذي توفره نظرية العقد الاجتماعي بين الدولة والمجتمع المدني مؤكداً عجز الاخير عن اقامة وتحقيق العقل والحرية من تلقاء ذاته ويقترح ان تكون الدولة هي الاطار القوي القادر على تحقيق هذه الغاية فالدولة هي المشخص والمجسد للمصلحة العامة وما المجتمع المدني الا مجال لتقسيم العمل واشباع الحاجات المادية وتنافس المصالح الخاصة والمتعارضة. وانتقد ماركس النظرة الهيجلية للمجتمع المدني واضفى بنقده محتوى مادياً على مفهوم المجتمع المدني، وقدمه بوصفه مفهوماً ثورياً وليس مفهوماً معرفياً او فلسفيا فحسب، حيث يرى ماركس ان المجتمع المدني ميدان يتحرك به الانسان مدافعاً عن مصالحة الشخصية وعالمه الخاص بالتحول الى مسرح تظهر فوقه التناقضات الطبقية، مقابل الدولة التي تمثل عند ماركس الميدان البيروقراطي حيث يتحول الانسان فيه الى عضو في جماعة مسَّيرة يقف بينها وحيداً وغريباً. واذا اردنا تفهم سلبية ماركس هذه من الدولة فعلينا فهمها في اطارها التاريخي فالمرحلة التاريخية فصلت المجتمع المدني عن معناه المعرفي ولو جزئياً، وشحنته معنى مادياً ثوريا ليتحول الى سلاح سياسي ضد السلطة الاستبدادية فالمجتمع المدني لدى ماركس هو القاعدة المادية المؤسسة للدولة، قاعدة تحدد طبيعة البنى الفوقية بما فيها من دولة، ونظم وثقافات ومعتقدات .. الخ . بيد ان مفهوم المجتمع المدني في مؤلفات ماركس فيما بعد اصبح يتطابق مع مفهوم البنية التحتية وان لم يستعمله كمفهوم اذ حاول عن طريق استخدامه مفهومي البنية التحتية والفوقية تحديد الاسس المادية والايديولوجية المكونة للوجود المجتمعي وعليه بنى المفكرون الماركسيون على هذا المرتكز تحليلاتهم الاكثر شمولاً لمنظمات المجتمع المدني وعلاقتها بالدولة من ناحية وعلاقات الانتاج من ناحية اخرى. وعلى اية حال يمثل الاطار النظري للتطلعات المعاصرة نحو المجتمع المدني، بوصفه وعياً نقدياً مكوناً ومتشكلاً ضمن مجموعة من التمايزات التي يذكرها عزمي بشارة وهي مايلي: 1 - التشديد على الفصل مابين الدولة والمجتمع او مابين مؤسسات الدولة والمؤسسات المجتمعية كشرط معطى تاريخيا او كوعي اجتماعي معطى او متطور تاريخيا. 2- وعي الفرق بين آليات عمل الدولة وآليات عمل الاقتصاد وهو شرط متطور تاريخيا مع الثورة الصناعية ونشوء البرجوازية. 3- تميز الفرد مواطنا اي ككيان حقوقي قائم بذاته في الدولة بغض النظر عن انتماءاته المختلفة. 4- التشديد على الفرق بين آليات عمل المؤسسات الاجتماعية واهدافها ووظائفها من جهة وآليات عمل الاقتصاد واهدافه ووظائفه من جهة اخرى. 5- الفرق بين التنظيمات المجتمعية المؤتلفة ولو نظريا من مواطنين احرار ائتلفوا بشكل طوعي وبين البنى الجمعية العضوية التي تولد الانسان فيها. 6- التشديد على الفرق بين الديمقراطية التمثيلية في الدولة الليبرالية والديمقراطية المباشرة والمشاركة النشطة في اتخاذ القرار نظريا في الاقل في الجمعيات الطوعية والمؤسسات المجتمعية الحديثة. ويلاحظ المهتمون بان بروز اسئلة المجتمع المدني ليست سهلة لاسيما ان الدعوة او الحاجة الى تأسيس وعي مجتمعي مدني جديد لم يقترن بتأسيس دولة متينة متماسكة وهذه نقطة اشكالية تفرض على الجميع تحديد حسن نواياهم ازاء التحول الديمقراطي لضمان مبدأ حفظ الحقوق وان كانت عملية مرهقة كما يرى (طيب تيزيني) وذلك بايجاد قطيعة معرفية مع الانظمة الشمولية السلطوية ومع البنى التقليدية ومع الاحزاب السياسية التقليدية البيروقراطية او الواحدية والدولانية، هذه القطيعة او وعي القطيعة تدين بدورها للقطيعة الابتسمولوجية التي احدثها غرامشي الذي يرجع اليه الفضل في رسم معالم المفهوم الحديث للمجتمع المدني من خلال طرحه لنسيج ثقافي ومعرفي ومنظومي يرتكز على الهيمنة والدولة والمجتمع السياسي (الايديولوجيا). ولا يتفق غرامشي مع ماركس في ان نمط المجتمع المدني هو افراز للنمط الانتاجي او هو بينة فوقية لقاعدة اقتصادية، بل يرى انه يتموضع بين القاعدة الاقتصادية وبين الدولة بقوة قوانينها وجهازها القمعي، إذ يمثل البنية التي تسمح بانتاج واعادة انتاج وتوزيع واذاعة الايديولوجيا الخاصة بالطبقة المسيطرة التي تحتوي على انساق التفكير والمؤسسات والمنظمات والوسائل المادية الخاصة بخلق ونشر وتوزيع (المنتوجات) الايديولوجية ويتشكل المجتمع المدني والمنظمات والاجهزة المسماة عادة (بالمؤسسات الداخلية والخاصة) التي تنتج وتوزع الايديولوجيا المسيطرة لتحقيق وظيفة (الهيمنة) على الطبقات الاخرى. وهذه المنظمات بحسب غرامشي دينية (كنسية) ومنظمات مدرسية (جامعية وغيرها) وعلمية (مراكز البحوث والجامعات) وتنظيمات الطبع والنشر. اما المجتمع السياسي فتجسده الدولة واجهزة الاكراه والقمع والضبط القسري المباشرة والمنظم الذي يحقق وظيفة (السيطرة) الخاصة بالطبقة المسيطرة ومن هنا يتميز المجتمع المدني السياسي احدهما عن الاخر اولا بوظائفهما فللأول وظيفة الهيمنة وللثاني وظيفة السيطرة. ان ممارسة وظيفة (الهيمنة) بالنسبة للمجتمع المدني تجري على مستوى الثقافة والايديولوجيا وهي الوظيفة التي تحصل عن طريقها طبقة ما على قبول الطبقات الاخر على امل ان تكون تابعة لها او مؤيدة او مساندة إذ تطرح هذه (الطبقة الما) نفسها على انها قائدة وزعيمة للمجتمع بموجب موافقة ومباركة الطبقات الاجتماعية الاخر ولهذا نجد ان اي طبقة تحاول الوصول الى مركز الزعامة او القيادة يتحتم عليها ان تكون مقنعة بمستوى ارضاء بقية الطبقات لاسيما في اخذ زمام المبادرة في الحكم وعليها ايضا ضخ ونشر برامج اعمالها وتصوراتها للحياة وموقفها منها كل ذلك بطرق معرفية سلمية بحتة لا تفرض ولا تكره ايديولوجيتها بالقوة. اما المجتمع السياسي فان وظيفته تتم بفرض المعايير والضوابط بحيث لا يتردد باستخدام كل اساليب القمع والاكراه عن طريق قواته المسلحة واجهزته الامنية وعلى الافراد الانصياع لاوامر المجتمع السياسي وقراراته. يقول غرامشي: (يمكننا الان ان نميز بين طابقين كبيرين في البنى الفوقية الطابق الذي يسعنا ان نسميه المجتمع المدني اي مجمل الهيئات والاجهزة التي جرت العادة على تسميتها بالخاصة وطابق المجتمع السياسي او الدولة وهما يناظران وظيفة (الهيمنة) التي تمارسها الفئة السائدة على المجتمع كله ووظيفة (السيطرة المباشرة) او القيادة التي تمثل في الدولة وفي الحكم القانوني). وكلتا الوظيفتين يمارسها المثقفون كونهم مخولو الفئة السائدة في ممارسة الوظيفتين في الهيمنة السياسية والحكم السياسي ويسعى غرامشي الى بناء مجتمع مدني يتحرك في اطار الدولة دون ان تحتويه الاخيرة او تسيطر عليه او تفرض مضايقاتها على حركته كون المجتمع يمارس دوره من خلال هيمنته التي تتشكل على مرتكزات ثقافية مقنعة على العكس من السياسي (الدولة) التي تؤسس وتقوم على الاكراه والارغام. وتنبه غرامشي الى ان نهاية الدولة تكمن في تضخيم الانظمة البيروقراطية والهيمنة تزدهر في ظل الديمقراطية (الليبرالية) لانها قائمة على فكرة العقد والاختيار، إذ تكون المركزية الديمقراطية على الضد من المركزية البيروقراطية اذ تأخذ بالحسبان حركة القاعدة الجماهيرية والعفوية الشعبية والمشاركة الواسطة في حين نجد المركزية البيروقراطية قائمة على اساس العلاقة بين الحاكم والمحكومين وتتجسد من خلال المقولة التي تزعم ان الحكومات تعبر عن مصالح المحكومين وهي لابد من ان تفوز بقبولهم وما اكثرها في عالمنا العربي والاسلامي. اما في المركزية الديمقراطية تكون الشريحة المثقفة القائدة وثيقة الصلة بالطبقة التي تمثلها فهي التعبير العضوي عنها على العكس مما موجود في المركزية البيروقراطية إذ تأخذ الشريحة المثقفة شكل طائفة منغلقة على ذاتها وتذود عن مصالحها الانانية ولو كان ذلك على حساب مصالح الطبقة التي كان يفترض ان تمثلها، وقد شهدنا مثل ذلك في فترة النظام المباد وربما مازالت تلك المؤسسات تنوء تحت هذا المنطق البائس وتتعامل به نتيجة لعدم استيعابها للمتغيرات المعرفية التي تجد المجتمع المدني قائماً على اساسها كمفهوم منذ انقسامه الثقافي. من الفلسفات المدرسية والمنطق الاحادي الذي اغدق على المجتمعات بالانظمة الشمولية وعندما يعلن المجتمع المدني عن نفسه يطرح ذاته ضدا للمجتمع العسكرتاري بنفس الوقت الذي يقدم تمايزه عن المجتمع الاهلي التقليدي اذ نراه جليا وواضحا في ثقافتنا كوريث للعلاقات السلطانية والعثمانية والمحكومية تخمد داخلها البراكين العشائرية والطائفية التي وان كانت تلعب دورا ايجابيا في الماضي بامكانها ان تعصف بالمشروع والحال الديمقراطي في الحاضر لاسيما في ظل الازمات التي تقف مشكلة الاعتراف بالمجتمع المدني على رأسها وفي مقدمتها سواء من قبل المجتمع العام او من قبل المجتمع السياسي الذي طالما مارس دورا شرسا في تحجيم دور المجتمع المدني في الحياة وبالرغم من ذلك يبقى المجتمع المدني متحملا لاعظم مسؤولية ثقافية كبرى نأمل ان تكون بالقدر الكافي من استيعاب تلك المسؤولية لاسيما وهي في مرحلة البداية والتوفيق للجميع. | |
|