الحوار محاور محترف
عدد الرسائل : 137 المدينة : من أجل الانضمام لمجموعة المحاورين القانونيين لمدينتك الكلية : فرصة لتتعارف مع المحاورين القانونيين بكليتك،و لإنشاء فرق بحث و تعاون . التخصص : فرصة للتعرف على الأعضاء ذوو التخصصات المتشابهة . المستوى الحواري : عدد النقاط : 6065 تاريخ التسجيل : 18/04/2008
| موضوع: مأزق العولمة الرأسمالية! الجمعة أكتوبر 10, 2008 1:21 pm | |
| 44502 السنة 133-العدد 2008 اكتوبر 9 9 من شوال 1429 هـ الخميس
مأزق العولمة الرأسمالية! بقلم : السيد يسين
في بداية موجة صعود العولمة, باعتبارها الظاهرة التي تهيمن علي المناخ السياسي والاقتصادي والفكري في العالم, نشر عالم الاقتصاد الأمريكي' داني رودريك' وهو أستاذ في جامعة هارفارد, كتيبا بعنوان لافت للنظر هو' هل ذهبت العولمة بعيدا في مجال تحديد أهدافها ووسائلها؟'
كان هذا نقدا مبكرا حقا كشف عن بصيرة عميقة وحس دقيق في استشراف المستقبل, لأن هذا المفكر الليبرالي شعر بأن مشروع العولمة بطموحاته الكونية في تحويل العالم إلي سوق اقتصادية واحدة تحكمها الرأسمالية بمبادئها التقليدية في حرية السوق وتحرير التجارة وكف يد الدولة عن التدخل في الاقتصاد, فيه مغالاة شديدة, قد تؤدي إلي عملية استغلال واسعة المدي تقوم بها الدول الرأسمالية المتقدمة, التي تمتلك الخبرة التاريخية والأدوات الحديثة في مجال التراكم الرأسمالي, علي حساب الدول النامية ذات الاقتصادات الضعيفة والهشة, والتي تناضل من أجل تأسيس اقتصاد عصري يقوم علي التوازن بين الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية.
وما لبث فيضان العولمة العارم أن أغرق بلاد العالم جميعا, وكان أداته الرئيسية- بالإضافة إلي الشركات دولية النشاط والمؤسسات الاقتصادية العالمية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي_ منظمة التجارة العالمية, التي أسست في نهاية مفاوضات الجات الشهيرة, لتصبح معاهدة وقعتها مئات الدول, وأصبحت ملتزمة بأحكامها المجحفة التي صاغتها الدول الرأسمالية المتقدمة وألزمت بها الدول النامية. واتخذ هذا الإلزام شكل لجنة قانونية داخل المنظمة تراقب سلوك الدول وتعاقب أي دولة تخرج عن أحكام حرية السوق وتحرير التجارة.
وسادت ممارسات العولمة, والتي هي في التعريف الإجرائي الدقيق الذي وضعناه لها في عديد من دراساتنا وكتبنا' سرعة تدفق رؤوس الأموال والخدمات والأفكار والبشر من مكان إلي مكان آخر بدون قيود ولا حدود'. غير أنه ظهر من الممارسة أن هناك سلبيات متعددة لتجليات العولمة المختلفة. ومن هنا ظهرت حركة اجتماعية مضادة للعولمة التي أصبح رمزها' منتدي دافوس' الذي تجتمع فيه سنويا القيادات الرأسمالية العالمية بالإضافة إلي رؤساء الدول. وهكذا أصبح لدينا' دافوس' ممثلا للعولمة' والحركة المضادة لدافو معبرة عن النقد الجذري لسياسات العولمة المنحرفة.
والواقع أن هذا النقد الاجتماعي الجذري للعولمة يعد امتدادا وتجاوزا في نفس الوقت لنقد الرأسمالية باعتبارها مذهبا اقتصاديا, والذي مارسه عشرات من العلماء الاجتماعيين من مختلف المشارب والاتجاهات في الشرق والغرب علي السواء.
ومازالت أذكر أنني وفي بداية اشتغالي بالبحث العلمي الاجتماعي في إطار المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية طالعت كتاب الاقتصادي النمساوي الشهير' شومبيتر' عن' الرأسمالية والاشتراكية' والذي صاغ فيه نبوءة شهيرة عن مصير الرأسمالية, قرر فيها أنها_ كنظام اقتصادي_ لن يتاح لها الدوام والاستمرار وذلك نتيجة التناقض الأساسي بين جماعية عملية الإنتاج وفردية الحصول علي التراكم الرأسمالي!
ويعني بذلك أن عملية الإنتاج الصناعي والتكنولوجي التي يسهم فيها المئات من العمال والمهندسين والإداريين, تنتهي بتحقيق أرباح طائلة لرأسمالي واحد أو لمجموعة من الرأسماليين يتحكمون في شركة من الشركات. وفي الوقت الذي لا يحصل فيه هؤلاء' الشغيلة' إلا علي الفتات تنعم هذه القلة التي تشكل الطبقة الرأسمالية وتهيمن بالتالي علي النظم السياسية بثمرات عملية الإنتاج في صورة أرباح وحوافز وأجور هائلة.
وإذا كان' شومبيتر' وجهت لنظريته اتهامات شتي علي أساس أن له نزعات اشتراكية, فإن عددا آخر من كبار علماء الاقتصاد الليبراليين وعلي رأسهم' جالبرث' وجهوا انتقادات مماثلة_ من زوايا أخري- للرأسمالية. بل إن بعض المفكرين الليبراليين مثل ليستر ثورو نشروا كتبا مهمة موضوعها' ما بعد الرأسمالية' بمعني يقينهم أنها لن تستمر إلي الأبد, كما تصور فوكوياما في كتابه الشهير' نهاية التاريخ'.
وقد تصاعدت انتقادات عديدة من المؤسسات ومراكز الأبحاث للعولمة خصوصا في مجال غياب الممارسات الديموقراطية في سياقها, مما ينذر بأخطار محدقة علي شعوب العالم.
ومن أبرز هذه المؤسسات' منتدي2000' الذي ضم صفوة من كبار الاقتصاديين والمفكرين من مختلف أنحاء العالم, وعقد جلساته في' براغ' عاصمة تشيكوسلوفاكيا ابتداء من عام1997 حتي عام.2001 وانتهت أبحاثه ومداولاته بإصدار' إعلان براغ' والذي يتضمن عديدا من المبادئ التي يراد لها أن ترشد مسيرة العولمة, باعتبارها عملية تاريخية كبري ينبغي أن تشارك فيها كل الشعوب بقدر مناسب.
والمشاركون في المنتدي يرغبون في طرح حصيلة اجتهاداتهم في السنوات الأخيرة علي صانعي القرار الدوليين, وهؤلاء الذين لهم وزن كبير في توجيه الرأي العام, وكذلك السياسيون والقادة الدينيون والعلماء ورجال الأعمال والفنانون والمبدعون والإعلاميون, وقبل كل هؤلاء الشباب في كل مكان, وكل المعنيين بمصير العالم.
والسؤال الآن ما هي المشكلات التي أبرزها إعلان' براغ'؟ تنحصر هذه المشكلات في أربع رئيسية: المشكلة الأولي: ضرورة صياغة حد أدني أخلاقي. وتقوم هذه المشكلة علي أساس تتبع ورصد صور العنف التي فاض بها القرن العشرون, مما يحمل علي الظن أنها قد تمتد إلي القرن الحادي والعشرين. ومن هنا تأتي أهمية صياغة مجموعة قيم أخلاقية تمثل الحد الأدني الذي تلتزم به الحكومات والشعوب, وأهمها قيمة رئيسية هي ضرورة معاملة كل كائن بطريقة إنسانية, بحيث تمثل هذه القيمة القاعدة الذهبية التي تحكم العلاقات بين الأفراد والمجتمعات الإنسانية. ومن شأن ذلك أن يزيل صورا متعددة من المعاناة الإنسانية, بالإضافة إلي وقف تدهور البيئة الطبيعية, ووضع حد للانقراض الفاجع للأنواع والثقافات.
ويقرر الإعلان أن الموارد الكونية تخصص بشكل فيه ظلم فادح, ومن هنا يكمن التحدي العالمي الأكبر في تحويل الموارد من شراء السلاح وتجارة المخدرات, ومن الاستهلاك المادي والترفي المسرف لكي تصب في مصارف لمكافحة الفقر والمرض, ومنع الصراعات العنيفة, وحل مشكلات ارتفاع الحرارة الكوني, ومواجهة الكوارث الطبيعية.
والمشكلة الثانية: هي ضرورة تحقيق الديموقراطية علي النطاق العالمي. ومن هنا تأتي أهمية حماية التعددية في صور الحكم والمشاركة السياسية. ولا يمكن أن يتم ذلك إلا إذا تم الاتفاق علي معايير عالمية لاحترام هذه الحقوق, وربما كان مفهوم حقوق الإنسان هو خير معبر عن هذه الحقوق.
غير أن التحدي أمام الديموقراطية علي النطاق العالمي, يبدو في صياغة أدوات وتأسيس مؤسسات تستطيع أن تحمي القيم المشتركة علي نطاق عالمي والاختلافات المحلية في نفس الوقت.
أما المشكلة الثالثة فهي أخطر هذه المشكلات جميعا, لأنها تتعلق بالفعالية السياسية لاقتصاد العولمة. ويمكن القول بكل وضوح إن رأسمالية العولمة هي مصدر للثراء الناشئ المتنامي ولضروب من التوتر في نفس الوقت. ولا يمكن الحفاظ علي شرعية الأسواق المعولمة في الوقت الذي لا يستفيد منها إلا خمس سكان العالم.
وقد برزت سلبيات العولمة الاقتصادية في العقد الأخير علي وجه الخصوص, في ضوء المنافسة غير المقننة وحماية رؤوس الأموال مما تسبب في إلحاق أضرار متعددة بالأفراد والمجتمعات. وبهذه الصورة يمكن القول إن هذه الظواهر السلبية تمثل تطرفا يشبه في حدته تطرف النظم السلطوية واقتصاد الأوامر.
وتبقي المشكلة الرابعة والأخيرة وهي تتعلق بالهوية المحلية ورأس المال الاجتماعي والتنمية البشرية. والمبدأ الجوهري في هذا المجال هو أن اقتصاد العولمة المثالي ليس هو الذي يتم تنظيمه وفق قواعد بالغة الدقة, بقدر ما هو ذلك الذي يزيد من رأس المال الاجتماعي وينمي الإمكانيات الإنسانية, ويوسع من فرص الحياة أمام الناس, ولا ينبغي إطلاقا لاقتصاد العولمة أن يفلت من دائرة الرقابة الإنسانية, ومن هنا تظهر ضرورة مجابهة آثاره المدمرة من خلال تفعيل التنمية المحلية المستدامة.
ويبدو التحدي في إيجاد التوازن بين الاستثمارات الرأسمالية والاستثمار في التعليم, والفوائد المرجوة من تدعيم المجتمع المدني والحفاظ علي دور الدولة في التنمية وتنمية القطاع الخاص في نفس الوقت.
هذه هي مشكلات العولمة التي شخصها' إعلان براغ' والحلول الإبداعية التي صاغها لمواجهتها.
ولكن في غمار انهمار التراكم الرأسمالي المهول علي الشركات الدولية الكبري وعلي اقتصادات الدول العظمي مثل الولايات المتحدة, لم يهتم أحد بهذه المشكلات ولا بالحلول المقترحة لها, إلي أن وقعت الواقعة, وحدث الانهيار الكبير في الاقتصاد الأمريكي الذي يكشف ولا شك في ذلك عن هشاشة الرأسمالية باعتبارها نظاما اقتصاديا, وعن لا عقلانية أهدافها والتي تتمثل في التراكم الرأسمالي غير المحدود, وفي عدم أخلاقية وسائلها التي تقوم علي استغلال الشعوب. وهكذا ضد كل مبادئ الرأسمالية التي قدست مبدأ العرض والطلب, اضطرت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية إلي ضخ تريليون دولار في محاولة يائسة لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي, علي حساب دافع الضريبة الأمريكي, مما أثار اعتراض عديد من أعضاء الكونجرس وفئات واسعة من الشعب الأمريكي.
هل ستجدي المحاولة؟ اقتصاديون أمريكيون رسميون يشكون في جدوي المحاولة! | |
|