بسم الله الرحمن الرحيم
في البداية يجب أن أقدم بعض النصائح التي يعين على طالب القانون أن يتذكرها و هو بصدد تقديم الاستشارة أو إيجاد حل لنزاع معروض عليه ، و هذه النصائح يمكن تلخيصها في الآتي :
النصيحة الأولى : عليه أن يكون متمكنا من المفاهيم الأولية التي تلقاها خلال دراسته للقانون ، من قبيل مفهوم القاعدة القانونية، و معناه و معني نفاذ القانون ، و كيف يفهم الإلغاء مثلا من خلال تعارض النصوص و تواليها في الزمان ...، فتلك أمور و آليات لابد له أن يتمرس على التمكن منها ،و ضبطها على اعتبار أنها المدخل الأساسي لفهم النص القانوني و كذا فك رموز النوازل المعروضة للحل.
و كل خلل يمكن أن يحدث في هذه المرحلة لا محال فهو مؤثر في جميع التحاليل التي يقدمها رجل القانون و كذا الحلول التي خلص إليها .
و لتتأكد من قدراتك على ضبط مثل هذه النصيحة ، أطلب منك عزبزي القارىء أن تقوم بتحليل الفصلين التاليين :
الفصل 212 من قانون المسطرة المدنية ،و الذي ينص على ما يلي :" يقدم وفقا للإجراءات العادية مقال التطليق إلى المحكمة الابتدائية التي يوجد بدائرة نفوذها بيت الزوجية أو موطن الزوجة أو التي أبرم فيها قعد الزواج "
الفصل 79 من مدونة الأسرة و الذي يقضي بأنه " يجب على من يريد الطلاق أن يطلب الإذن من المحكمة بالإشهاد به لدى عدلين منتصبين لذلك ، بدائرة نفوذ المحكمة التي يوجد بها بيت الزوجية، أو موطن الزوجة ، أو محل إقامتها أو التي أبرم فيها عقد الزواج حسب الترتيب "
فما هي في نظرك أوجه التعارض - إن وجدت - بين مقتضيات الفصلين المذكورين ؟
النصيحة الثانية :أن يحاول قراءة الواقعة أو النزاع المعروضين عليه قراءة موضوعية ومجردة ، و معنى ذلك أن يستخلص من خلال تلك الوقائع المفاهيم الأساسية و المؤطرة له ، فإذا كان الأمر مثلا يتعلق بتنازع حول الاختصاص ، فعلى الطالب أو رجل القانون أن يحدد ما إذا كان ذلك النزاع جديا أم أنه ليس مؤسسا ، و أن يحدد هل يمكن إثارة الاختصاص من طرف المحكمة تلقائيا أم أنه لابد للأطراف أن يثيره لتبت فيه المحكمة ،و هل التكييف الذي أعطاه الأطراف لذلك النزاع من اجل إثارة مسألة الاختصاص تكييفا صحيحا أم لا،و معنى أن يكون التكييف صحيحا هو أن يكونموافقا للقانون لا أن يكون موافقا لما اتفق عليه الأطراف .
فحاول قراة النزاع التالي :
تقدم المدعي بطلب الإشهاد على طلاقه من زوجته لدى المحكمة الابتدائية بالرباط بعلة أن عقد الزواج أبرم بهذه المحكمة ، فأكدت الزوجة في جوابها أن الأمر يجب أن يعرض على المحكمة الابتدائية بسطات و هي التي يوجد بدائرة نفوذها محل إقامتها،متشبتة بمقتضيات الفصل 79 من مدونة الأسرة ، بينما تشبث المدعي بمقتضيات الفصل 212 من قانون المسطرة المدنية ،و التي تعطيه حق اختيار المحكمة التي يمكن رفع الدعوى أمامها.
فهل التكييف الذي أعطاه الطرفان للنزاع تكييف صحيح أم لا ؟ وما حجتك في ذلك؟
النصيحة الثالثة :أن يحاول الطالب جهد الإمكان الإحاطة بالنصوص القانونية المؤطرة لذلك النزاع ،و عليه في هذه المرحلة ألا يحاول اللعب على فكرة التناقض بين النصوص ،و إنما يتميز الطالب و رجل القانون عندما يجمع بين النصوص القانونية لا أن يبحث في التناقض بينها .
فما رأيك فيما تم التنصيص عليه في المادة 9 من قانون المسطرة المدنية من أنه " يجب أن تبلغ إلى النيابة العامة الدعاوى الآتية :
1-...
2- القضايا المتعلقة بالأسرة .
3-...."
و ما رود بالمادة 3 من مدونة الأسرة التي نصت على أنه " تعتبرالنيابة العامة طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق أحكام هذه المدونة "
فهل هناك تناقض أم تكامل بين المادتين؟ و ما هي مظاهر ذلك ؟
النصيحة الرابعة :أن يحاول الطالب و جل القانون وضح الحل المناسب للنزاع المعروض عليه وفقا لما تمت الإشارة إليه أعلاه ، و هنا يجب التركيز على أمور :
أولها أنه يتعين عليه و هو بصدد وضع الحل أن يميز بين الأمور القانونية و الأمور الواقعية ، ذلك أن مسائلالقانونية يجب أن تكون منضبطة لما وضعه المشرع سواء من حيث تكييفها أو من حيث إثباتها و لا سلطة للمحكمة أو الطالب أو رجل القانون عليها ، أما المسائل الواقعية فللمحكمة و الطالب و رجل القانون بوجه عام سلطة في تكييفها أو إثباتها ، لكونها محررة من القواعد القانونية المنظمة.
ثاني الأمور : أن يميز جيدا بين القواعد القانونية ما إذا كانت موضوعية و إنوردت بالقوانين الشكلية أن شكلية و إن وردت بالقوانين الموضوعية ،و هنا تظهر حنكة الطالب و رجل القانون ، ذلك أنه في مثل هذه الحالة يجب الفصل بصورة مطلقة بين القواعد القانونية التي تنظم إجراءات يتعين احترامها من أجل حماية الحق المطالب به ،و بين تلك التي تنظم ذلك الحق مباشرة.
ثالث الأمور : أن يكون الحل الذي خلص إليه الطالب أو رجل القانون حلا مبررا و مؤسسا ، ذلك أن الحل يجب أن يكون منسجما مع الأسس و الحيثيات التي تم الاستناد إليها للوصول لذلك الحل .
تلك إذن بعض النصائح التي يمكن أن أتقدم بها بين يديكم .
و نسأل الله تعالى أن نكون موفقين .